وطنية - ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان حنا علوان وانطوان عوكر، أمين سر البطريرك الأب هادي ضو، رئيس مزار سيدة لبنان_حريصا الأب فادي تابت، الأب جورج يرق، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور رئيس تجمّع موارنة من أجل لبنان المحامي بول يوسف كنعان، قنصل جمهورية موريتانيا إيلي نصار، رئيس نقابة مستوردي السيارات المستعملة إيلي القزي،عائلة المرحومة إيفا عقل شاهين ابي طايع، وحشد من الفاعليات والمؤمنين
بعد الإنجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان: "إنّ ابني هذا كان ميتًا فعاش، وضالًّا فوُجد" (لو 15: 24)، قال فيها: "ربّنا المسيح، المعلّم الإلهيّ يعلّمنا، في إنجيل هذا الأحد الرابع من زمن الصوم، مفهوم الخطيئة والتوبة والمصالحة. يتوسّط هذا الأحد سلسلة آحاد الصوم الستّة، قبل دخول أسبوع الآلام المقدّس. فنسمّي الآحاد الثلاثة السابقة، آحاد التغيير: تغيير الماء إلى خمر فائق الجودة، كعلامة تغيير باطن الإنسان، تطهير الأبرص علامة الخطيئة التي تتآكل باطن الإنسان، شفاء النازفة علامة نزيف القيم الروحيّة والأخلاقيّة؛ وآحاد الإنطلاق الجديد: شفاء المخلّع للسير في طريق جديد، شفاء الأعمى للدلالة على رؤية جديدة، أحد الشعانين لفتح قلوبنا لاستقبال المسيح الملك الآتي. هكذا تهيّئنا أسابيع الصوم للدخول بروح التوبة والمصالحة مع الله والذات والناس في أسبوع الآلام المقدّس. في هذا الأحد الثالث والعشرين من آذار، تحيي الكنيسة عيد القدّيسة رفقا، رسولة الألم، فنصلّي لشفاء كلّ المتألّمين في أجسادهم وأرواحهم ونفوسهم".
وتابع: "يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا للاحتفال بهذه الليتورجيا الإلهيّة. وأوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحومة إيفا عقل شاهين أرملة المرحوم نصرت جرجس أبي طايع التي ودّعناها منذ أسبوعين مع أبنائها وبناتها الأحد عشر، عن عمرٍ ناهز الخامسة والتسعين. نصلّي لراحة نفسها وعزاء عائلتها. إنجيل هذا الأحد هو إنجيل الخطيئة والتوبة والمصالحة. نتعلّم مفاهيمها من فم المعلّم الإلهيّ من خلال هذا المثل المؤثّر. تبدأ الخطيئة بالتعلّق في عطايا الله ونسيان معطيها الذي هو الله نفسه. ثمّ الابتعاد عن الله، ودائرة حبّه وعنايته وسماع كلامه، والعيش في الطيش وتبذير الأموال، والوقوع في الفقر والعوز حتى فقدان الكرامة الشخصيّة التي استحقّها لنا المخلّص الإلهيّ. هكذا أصبحت حال الابن الذي أخذ حصّته وسافر إلى بلد بعيد وبدّد ماله وافتقر فقرًا كبيرًا حتى بات يسابق الخنازير على أكل الخروب من دون إمكانيّة الحصول عليها (را لو 15: 13-16). هذه حال من يعيش في حالة الخطيئة".
وتابع: " أمّا التوبة فتبدأ بوقفة ضمير هو صوت الله داخل نفوسنا، مثل ذاك الابن الذي رجع إلى نفسه، وأسف على حاله هو الذي يموت جوعًا، والأجراء في بيته الوالديّ يفضل عندهم الخبز. التوبة تبدأ بإدراك الخطيئة والندامة عليها، وقرار الخروج من حالتها ومن أسبابها، والعودة إلى الآب السماويّ، وفرض التكفير عن أخطائه: "لست أهلًا لأن أدعى لك إبنًا، فعاملني كأحد أجرائك" (لو 15: 17-19). أمّا المصالحة فتبدأ بتنفيذ قرار العودة، قرار الخروج من الحالة الشاذة، مثلما قام ذاك الإبن وعاد إلى البيت الوالديّ. هذا من جهة الخاطي، أمّا من جهة الله فإنّه في حالة انتظار لعودة الخاطي. "ففيما كان بعيدًا رآه أبوه. هذا يعني أنّ الله يحرّك قلب الإنسان ليعود عن خطئه. وعندما يعود يسارع الله إلى تقبيله وقبوله واستقباله بحفاوة وبدون مساءلة عمّا فعل. فمجيئه يمحو خطاياه (لو 15: 20-22). أمّا عناصر المصالحة فأربعة:
1. يعاد إليه ثوب النعمة: "ألبسوه الحلّة الفاخرة".
2. يُعاد إليه ملء البنوّة: "ضعوا خاتمًا في إصبعه".
3. يسير في طريق جديد: "ضعوا حذاءً في رجله".
4. يجلس على مائدة جسد الربّ ودمه: "اذبحوا العجل المسمّن" (لو 15: 22-23).
تعالوا ننعم ونفرح لأنّ ابني هذا كان ميتًا فعاش وضالًّا فوُجد"(لو 15: 24). إنّ فحوى إنجيل هذا الأحد هو وحدة العائلة التي انكسرت بانفصال الإبن الأصغر عنها مع حصّته من ميراث أبيه، وعادت فتألّفت بعودته إلى البيت الوالديّ. وجلست معًا تتنعّم وتغتبط حول مائدة الفرح. هذا المثل الإنجيليّ يُطبّق على العائلة الدمويّة، والعائلة الوطنيّة. هذا ما عبّر عنه فخامة رئيس الجمهوريّة في كلمته الوجدانيّة على مائدة الإفطار في القصر الجمهوريّ منذ ثلاثة أيّام (الخميس 20 آذار 2025)، انطلاقًا من عبارتين: الأولى من مقدّمة الدستور: "لا شرعية لأيِ سلطةٍ تناقضُ ميثاقَ العيشِ المشترك" (ي)، والثانية من المادّة 95: "رئيسُ الجمهورية هو رئيسُ الدولة ورمزُ وحدةِ الوطن". واستنتج فخامته من مقدّمة الدستور " أنّ شرعيةَ أيِ سلطةٍ في لبنانَ الكيانِ والوطنِ والدولة، هي في أن نكونَ معًا ... أن نُصلّي معًا... أن نقاومَ معًا.... وأن نفرحَ معًا ونحزنَ معًا". واستنتج من المادّة 95: " أن يكونَ رئيسُ الجمهورية رمزَ وحدةِ الوطن" يعني أن يكون هو والجميع تحت سقف دولتِنا ووطنِنا وميثاقِنا. وحدتنا هي أغلى ما نملكُ ... وهي قوتُنا ... وسلاحُنا الأمضى، وثروتُنا الأغنى وخيرُنا الأبقى.... بوحدتنا – يقول فخامته. نُعيدُ بناءَ ما تدمّر...، ونزرعُ الفرحَ في عيونِ أبنائنا والأملَ في نفوسِهم".
إّن كلمة فخامة الرئيس جديرة بأن تكون في يد كلّ مواطن وكلّ مسؤول في الدولة، لأنّها تقدّم التفسير الأفضل والأوضح والوجدانيّ لهاتين المادّتين من الدستور. إنّهما بمثابة دعوة لتنقية الذاكرة من رواسب الماضي المؤلم والجارح في آن. تمامًا كما دعانا القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني في إرشاده الرسوليّ: "رجاء جديد للبنان"، حيث كتب: "بعد سنين من الآلام وفترة الحرب الطويلة التي عرفها لبنان، يُدعى شعبه وسلطاته الحاكمة إلى القيام بمبادرات شجاعة ونبويّة في سبيل الغفران وتنقية الذاكرة. من المؤكَّد أنه يجب إبقاء ذكرى ما حدث حيّة، كي لا يتكرّر ذلك أبداً. ولئلا يتسلط، بعد الآن البغض والظلم على أمم بأسرها ويدفعان بها إلى أعمال تبرّرها وتنظّمها أيديولوجيات ترتكز على ذاتها أكثر منها على حقيقة الإنسان. لا يمكن إعادة بناء مجتمع، ما لم يسعَ كلّ من أفراده، وعائلاته ومختلف الجماعات التي تؤلّفه، إلى الخروج من العلاقات النزاعيّة التي وصمت زمن العنف، وإلى إخماد كل رغبةٍ في الانتقام." (الفقرة 114). لقد آن الأوان لنبدأ معًا في تنقية الذاكرة عبر الحوار الصادق الصريح والعمل على التقارب وتعزيز المشاركة المتوازنة في الحكم والإدارة، بهدف خلاص لبنان وإعادة بنائه وطن الرسالة. وهذا يقتضي العمل معًا "في الأمور الجوهريّة بالوحدة، وفي العوارض بالحريّة، في جميع الأمور "بالمحبّة" (القدّيس أوغسطينوس). إنّ تنقية الذاكرة أمرٌ شجاع ومتجرّد في آن. لكنّها ضروريّة للجميع لأنّها المدخل الوحيد إلى الوحدة الوطنيّة والاستقرار النفسيّ والأمنيّ والاجتماعيّ".
وختم الراعي: " لنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء، لكي يعضدنا الله بنعمته على التوبة لننعم بثمار المصالحة، وعلى البدء في تنقية الذاكرة فنحيا جمال وحدتنا الوطنيّة. للثالوث القدّوس الآب والابن والروح القدس كلّ مجد وشكر الآن وإلى الأبد، آمين".
استقبالات
بعد القداس استقبل البطريرك الراعي رئيس تجمع موارنة من أجل لبنان المحامي بول يوسف كنعان الذي اشار إلى" أن اللقاء مع سيدنا تناول الجو العام في البلد والانتخابات البلدية والاختيارية، كما جرى البحث مطولا في موضوع انتخابات الرابطة المارونية التي ستجري في ٢١ حزيران ٢٠٢٥".
واستقبل الراعي على التوالي: المدير العام لوزارة الصناعة بالإنابة شانتال عقل في زيارة لأخذ البركة، وفد من بلدة الناعمة برئاسة شربل مطر ناشده السعي مع المسؤولين المعنيين إيجاد حل لمشكلة البلدية في البلدة، عائلة المرحومة إيفا عقل شاهين ابي طايع لشكره على مواساته لهم، ثم السيدة عايدة عبلا التي قدمت نسخة من كتاب "رئيس الجمهورية الموقع والدور".
========== ل.خ