الجمهورية: بري وسلام لإعادة أموال المودعين كاملة والاستحقاق البلدي يتقدّم... وإجراءات خاصة بالمناطق المدمّرة

وطنية - كتبت صحيفة "الجمهورية" تقول:

في موازاة الاستعدادات الحكومية لخوض غمار التحدّيات الداخلية المتشعّبة، وحسم ما ألزمت نفسها به من إصلاحات، والبَتّ في أولويات وضرورات وضع البلد على سكة التعافي المالي والاقتصادي، يبقى الملف الحدودي ضاغطاً على الداخل بكل مستوياته، سواء على الحدود الشمالية الشرقية التي وإن كانت تشهد هدوءاً حذراً - إلّا أنّ ذلك لا يلغي القلق من عدم وجود ضوابط حقيقية للمجموعات السورية المسلّحة تمنعها من إعادة إشعال الاشتباكات واستهداف المناطق اللبنانية - أو على الجبهة الجنوبية التي فرض عليها الجيش الإسرائيلي توتراً شاملاً مختلف القرى والبلدات، ولاسيما تلك القريبة لخط الحدود، عبر استهدافات متتالية للمدنيِّين. بالتزامن مع إعلان رفضه «الانسحاب من النقاط الخمس، وأنّه سيعمل على منع تسلّح «حزب الله» ولن يكتفي بدور المراقبة، وسيبقى في لبنان حتى التأكّد من سيطرة الجيش اللبناني بنسبة مئة في المئة».

والتطورات الامنية من الجنوب إلى الشمال والشرق. الداخل، كانت محور بحث الاجتماع الذي ترأسه رئيس الجمهورية جوزف عون للقادة الامننين، في حضور قائد الجيش العماد رودولف هيكل، والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء رائد عبد الله، والمدير العام للامن العام اللواء حسن شقير، والمدير العام لامن الدولة اللواء الركن ادغار لوندوس. وفي هذا الاجتماع هنأ الرئيس عون القادة الأربعة على تعيينهم وتسلمهم مسؤولياتهم، وزودهم بتوجيهاته لاتخاذ الاجراءات المناسبة للمحافظة على الامن والاستقرار في المناطق اللبنانيه كافة. وفي السياق ذاته اكد قائد الجيش خلال اجتماع استثنائي عقده في اليرزة، حضره أركان القيادة وقادة الوحدات الكبرى والأفواج المستقلة أنّ الجيش «دليل سيبقى على قدر التحديات، وأن يعمل على بسط سلطة الدولة على الأراضي اللبنانية كافة، ومواصلة تطبيق القرار 1701، بالتعاون مع قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان – اليونيفيل، ومواجهة الاعتداءات والخروق المتكررة من جانب العدو الإسرائيلي. أولويتنا هي ضمان السلم الأهلي في مختلف المناطق اللبنانية، والحفاظ على الأداء الاحترافي للجيش، إلى جانب مراقبة الحدود وضبطها. سنحافظ على الجهوزية القصوى ولن نتهاون مع أي تعرض للمؤسسة».

 

الاستحقاق البلدي
مع إقرار آلية التعيينات الإدارية، وقبلها التعيينات الأمنية والعسكرية، يفترض أن تكون العدّة الحكومية قد أصبحت بكامل جهوزيّتها للإنطلاق في ما تُسمّيها الحكومة رحلة الإنقاذ والإصلاح. ويُنتظر أن تقترن هذه الإنطلاقة أو تزامِنها، في المدى القريب، حركة تعيينات إدارية عاجلة، لعلّ أقربها وأكثرها استعجالاً تعيين حاكم لمصرف لبنان، فيما بدأت أجراس الاستحقاق البلدي والاختياري المقرّر في أيار المقبل، تقرع في كل المناطق، التي بدأت فيها الاستعدادات للانتخابات وصياغة التحالفات السياسية والعائلية في شأنها. فيما أكّدت مصادر رسمية لـ«الجمهورية»، أنّ الانتخابات البلدية والاختيارية ستجري في موعدها المحدّد، ووزارة الداخلية على أتمّ الجهوزية لإتمام هذا الاستحقاق بصورة طبيعية. مشيرةً إلى أفكار تُدرَس حالياً لتوفير إجراء الانتخابات في المناطق الجنوبية التي يستحيل إجراء عمليات الانتخابات فيها لحجم الدمار الشامل الذي لحق بها جرّاء العدوان الإسرائيلي، ومن هذه الأفكار أن يُصار إلى استحداث مراكز اقتراع في مناطق معيّنة لهذه القرى، مزوّدة بخِيَم على غرار ما اعتُمِد بالنسبة إلى قرى الشريط الحدودي المحتل في الانتخابات النيابية في العام 1992.

 

برنامج الضرورات
على خطٍ مواز، ينصَبّ التركيز الرسمي على مقاربة الضرورات الملحّة، وفي مقدّمها التحضير لاتفاقات مع المؤسسات المالية الدولية، تُمكِّن لبنان من حسم ملف إعادة إعمار ما هدّمه العدوان الإسرائيلي، وكذلك إعداد خطة التعافي الموعودة، التي يُفترَض أن يواكبها إنجاز موازنة العام 2026 بمضمون يُحاكي ضرورات البلد بصورة موضوعية وواقعية من دون تحميل المواطن أي أعباء تزيد من ثقل معيشته، وأيضاً ترجمة الإلتزام الرسمي بالحفاظ على أموال المودعين ووضع ما سُمِّيَت الخطة المبرمجة للإعادة المتدرّجة للودائع إلى أصحابها.

 

ليُونة الصندوق
إلى ذلك، لم تستبعد مصادر مالية مسؤولة «أن يتزامن إعداد الموازنة في الفترة المقبلة مع تطوّرات إيجابية مع المؤسسات المالية الدولية ولاسيما مع صندوق النقد الدولي، الذي أبلغ الجهات المسؤولة في الدولة، ولاسيما في وزارة المالية، باستعداد الصندوق لأن يقف إلى جانب لبنان، ولأن يتوصّل إلى اتفاق على برنامج مع لبنان، وأنّه مستعد لأن يُقدِّم التمويل».
ولفتت المصادر إلى أنّه «لاحظنا في المباحثات مع وفد صندوق النقد الدولي إلى بيروت ليونةً في التعاطي مع لبنان، أكثر ممّا كانت عليه في مرحلة الإعداد للوصول إلى الاتفاق السابق. كما لاحظنا حماسة للعمل مع لبنان، وتجلّى ذلك في مبادرة الصندوق مع ولادة الحكومة إلى الإعلان من واشنطن استعدادها لمساعدة لبنان، ثم في زيارة وفد فضفاض من رئاسة الصندوق إلى لبنان، وسلسلة لقاءات غير معلنة أجراها وفد صندوق النقد مع مختلف قطاعات المالية، ولاسيما مع الجمارك، وطرح الكثير الكثير من الأسئلة التفصيلية والجوهرية، وتلقّى إجابات عليها من قِبل كل قطاع، وتمّ ذلك في أجواء أكثر من إيجابية».
ولفتت المصادر إلى «أنّ نجاح الاتفاق مع صندوق النقد أمر ممكن جداً في القريب العاجل، خصوصاً أنّه لا توجد شروط تعجيزية، بل يمكن القول إنّ الصندوق ليّن في اتجاهنا، ونحن أيضاً عبّرنا بالمثل، لا نتحدّث عن شروط مع صندوق النقد، بل إجراءات طبيعية يطلبها مثل رفع السرّية المصرفية، لكن ليس الرفع بصورة كاملة وشاملة أو عشوائية، بل رفع يُتيح للجنة الرقابة على المصارف الدخول على الحسابات. والأمر الآخر هو إعادة هيكلة المصارف، وهناك قانون يمكن أن يُلبّي الحاجة في هذا الأمر إذ يُحدِّد الأسُس في كيفية التعامل مع المصارف».

 

جابر: شروط سيادية
إلى ذلك، وبعد سلسلة اجتماعات عقدها مع ممثلين عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، شدّد وزير المال ياسين جابر على أنّ إعادة تكوين القطاع الإقتصادي في لبنان، والنهوض بالإدارة العامة والإستقرار المالي والنقدي، تُشكّل الإطار الذي يَحكم أي مسار يقود إلى الاتفاق مع المؤسسات الدولية التي تبدي بدورها الاستعداد لتقديم كل دعم تقني ومادي. وشدّد جابر على وجوب إعادة تنشيط الدورة الإقتصادية وإعادة الدور الريادي لقطاع المصارف عبر إعادة هيكلته وإعادة أموال المودعين، التي جميعها تُعتبَر المحرّك الأساسي لها، وعودة الثقة بها. لافتاً إلى أنّ المواصفات التي على أساسها سيجري اختيار حاكم لمصرف لبنان، هي بمثابة شروط سيادية وطنية صرفة.

 

بري: المودعون
في هذا الوقت، لفت رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام وفد مجلس التنفيذيِّين اللبنانيِّين في السعودية إلى أنّه «منذ بداية الأزمة قلتُ بأنّ الودائع مقدّسة، واليوم أعود وأؤكّد بأنّ ما من شيء تُجمِع عليه القوى السياسية وخصوصاً النواب الـ 128، كما يجمعون على قضية حق المودعين باستعادة ودائعهم كاملة».
وشدّد بري على أهمية «تعزيز لبنان لعلاقاته مع كافة الدول العربية الشقيقة. هناك حقيقة يجب أن يُدركها الجميع بأنّ لبنان لم يشتهر بأي صناعة إلّا بصناعة واحدة، هي صناعة الإنسان، وهو بحمد الله قد أبدع في هذه الصناعة، إذ تألقت الطاقات اللبنانية في شتى الإختصاصات وساهمت في نهوض المجتمعات والدول التي ينتشرون فيها في كل قارات العالم». وأضاف بري: «نعم إنّ الإغتراب اللبناني، وخصوصاً في دول مجلس التعاون الخليجي وفي القارة الإفريقية، هو مصدر غنى للبنان، ونحن معنيّون اليوم أكثر من أي وقت مضى العمل على ترسيخ مناخات التعاون وبناء أفضل العلاقات وتمتين جسور الثقة مع هذه الدول التي وقفت ولا تزال تقف إلى جانب لبنان في مختلف الحقبات، وهي اليوم أبدت وتبدي كل استعداد للمساهمة بإعادة إعمار لبنان وتمكينه من النهوض مجدداً».

وحول حق المغتربين المشاركة بالاقتراع للنواب الـ128، شدّد الرئيس بري على أهمّية أن يُراعي قانون الانتخابات النيابية حق الإغتراب اللبناني بأن يكون شريكاً في إختيار النواب الـ128.
وكان بري قد استقبل قائد الجيش العماد رودولف هيكل، وحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري.

 

سلام: التحرير مسؤولية الدولة
بدوره، أكّد رئيس الحكومة نواف سلام أمام الوفد نفسه أنّه «لن يكون هناك أي شطب للودائع، سنشطب كلمة «شطب الودائع»، والهدف هو تحرير الودائع»، وأنّه لن يقبل إلّا بحل منصف للمودعين».
وفي حديث لقناة «العربية» أكّد سلام: «إنّ إسرائيل تتذرّع بسلاح «حزب الله» للبقاء في الجنوب، وهذا البقاء في الجنوب مخالف للقانون الدولي والتفاهمات الأخيرة»، معتبراً أنّ «على إسرائيل الانسحاب الكامل من الجنوب، ونضغط عربياً ودولياً لذلك، والدولة وحدها هي المسؤولة عن تحرير الأراضي من إسرائيل». معتبراً «أنّ صفحة سلاح «حزب الله» انطوَت بعد البيان الوزاري وشعار «شعب جيش مقاومة» أصبح من الماضي». لافتاً إلى أنّ «الجهات الدولية تؤكّد أنّ الجيش يقوم بدور جيد في الجنوب». وأضاف سلام إنّ «البيان الوزاري ينص بوضوح على حصر السلاح بيد الدولة والجميع ملتزم بذلك، ولا أحد يعمل في اتجاه معاكس»، معتبراً أنّ «حصر السلاح بيد الدولة لن يحدث بين ليلة وضحاها».

 

مرحلة انتقالية
على المقلب السياسي الآخر، تنحصر دائرة المتابعة بالملف الحدودي فيما تنشط الديبلوماسية اللبنانية على مختلف الخطوط الدولية لحمل إسرائيل على احترام القرار 1701 والإلتزام باتفاق وقف إطلاق النار والانسحاب من الأراضي اللبنانية التي تحتلها ولاسيما النقاط الخمس.
وفيما لا تبدو في الأفق أي استجابة للتحرّك اللبناني، كشف ديبلوماسي غربي في دردشة مع «الجمهورية»: «إنّ من الظلم تحميل لبنان ما فوق طاقاته وهذا خطأ كبير... أنا لا أؤيّد هذا المنحى من أي جهة كان، ولا أرى ما يوجب ذلك في هذه المرحلة».
كلام الديبلوماسي عينه الذي فضّل عدم ذكر اسمه، جاء في معرض ردّه على سؤال حول الأخبار التي تلاحقت في الأيام الأخيرة، عن توجّه أميركي لممارسة ضغوط على لبنان لدفعه نحو مفاوضات مباشرة بهدف التطبيع مع إسرائيل، فحاذر الدخول في أي تفاصيل موضحاً: «لا أستطيع أن أؤكّد أو أنفي وجود مثل هذه الضغوط، هذا أمر تُسأل عنه الجهات المسؤولة في لبنان. بمعزل عن أية أخبار، فلبنان يمرّ في مرحلة انتقالية بعد الأحداث العسكرية الواسعة التي حصلت في الأشهر الأخيرة، وبدأ يخطو خطوات ملحوظة لإعادة انتظام مؤسساته وترسيخ استقراره السياسي والاقتصادي».
ولفت إلى «أنّ كل دول الاتحاد الأوروبي عبّرت عن تضامنها مع لبنان وأكّدت دعمها له، وهذا الأمر سيتوّج قريباً بالمؤتمر الذي سيدعو إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لحشد الدعم والمساعدة للبنان، وهذا الأمر يمثل التزاماً بالنسبة إلى فرنسا»، مضيفاً أنّ هذه الدول تلمس حراجة وحساسية الوضع اللبناني، وتدرك طبيعة التوازنات الداخلية وحساسياتها، وحجم التحدّيات والملفات المتراكمة كما يصفها اللبنانيّون، التي تستوجب المتابعة والحسم التركيز عليها، بمساعدة كل أصدقاء لبنان، وقبل إثقال لبنان بأمور أخرى قد تشكّل مصدراً إرباكياً وربما أبعد من ذلك، بالنسبة إلى الوضع الداخلي في لبنان».

ورداً على سؤال عمّا إذا كان يعتقد أنّ الولايات المتحدة الأميركية ستضغط لفرض التطبيع بين لبنان وإسرائيل، أجاب الديبلوماسي الغربي: «لا أتفق مع ما يُروَّج أو يُقال في هذا الشأن، ولا أعتقد أنّ واشنطن مستعجلة لتحقيق مكاسب سياسية كبرى في لبنان، مثل التطبيع الكامل مع إسرائيل أقلّه في المرحلة الحالية، لا أعتقد أنّ هذا الأمر مطروح الآن على الطاولة أو حتى في المدى المنظور».

 

جسّ نبض
وما تجنّب الديبلوماسي الغربي تناوله، ركّز عليه مسؤول رفيع، بقوله رداً على سؤال لـ«الجمهورية» إنّه على رغم من نفي الأميركيِّين للروايات التي نُسِجَت عن ضغوط وما شابه ذلك، لحمل لبنان على بدء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل للتطبيع معها، «فأنا على يَقين بأنّه لا يوجد دخان من غير نار».
وأوضح المسؤول عينه أنّ «مصدر الخبر من قنوات وجهات صديقة جداً للأميركيِّين، حتى أنّهم نسبوا الضغوط بالإسم إلى مسؤولين أميركيِّين. بالتالي، لا أعتقد أنّه خبر مفبرك، بل خبر لا أقول موحى به، إنّما مدروس عن سابق تصوّر وتصميم، والغاية منه في رأيي هو جسّ نبض لبنان وقياس حجم التفاعل معه إيجاباً أو سلباً وردود الفعل عليه. والردّ على هذا الأمر عبّرت عنه مختلف المستويات في لبنان برفض التطبيع بصورة قاطعة، وهو الأمر الذي حمل الأميركيِّين إلى نفي ما نُسِبَ إليهم».

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب