وطنية - المتن - شهد مهرجان الكتاب في انطلياس في يومه السادس نشاطين بارزين حيث كانت محاضرات عن الأثر البيئي الحرب الإسرائيلية على لبنان وتكريم البروفسور الاب كرم رزق.
في الأولى تحدث أمين البيئة والتراث في الحركة الثقافية-انطلياس جورج أسطفان فأكد أن "الموت في كل مكان، يعانيه أولاً المواطن، الحلقة الأضعف والتي من المفروض ان تكون الأقوى، اذا تسلّح بكثير من الوعي والثقةِ بوطنٍ ضائع في الانتظار. بالانتفاض على نظامٍ قائم منذ عقود وتقديمِ مصلحة الوطن على كل مصلحة أخرى. بالانتماء أولاً وأخيراً الى لبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه، حُرّاً ديموقراطياًّ مستقلاًّ".
وقال :" ما حصل في الجنوب موجع لحال جهنمية أوصلَنا اليها ضعف الدولة وتسلُّطُ مجموعات كبيرة من الداخل على الوطن، واستقوائها بالخارج، لأهداف لن نخوضّ فيها هنا وهي أصبحت معروفة، تقريباً، من الجميع، على رغم ان كُثراً يعرفونها ويرفضون التسليم بها كواقع يستحيل الهروب منه. وخير دليل على ذلك، حرب العدوّ الاسرائيلي المجرم الأخيرة على لبنان، التي خلّفت دماراً هائلاً هو الأكبر والأخطر من بين كل سابقاته، وتلوّثاً ما زالت حدوده غير واضحة، ولا بد ان تتضح أكثر من خلال هذه الندوة المخصصة للموضوع المذكور، بمساهمة المشاركَين الكريمين".
اضاف:"لقد اختلفت الآراء حول أخطار التلوث المذكور، وطُرق التخلص من مفاعيله وأضراره على المستويات كافة، إضافة الى مشكلة الردميات الناتجة عن التدمير المبرمج الذي لا يزال العدو الإسرائيلي مُمعناً فيه. وقد صدر منذ أيام، تقرير أولي يحدد الأضرار الناجمة عن العدوان الاسرائيلي الأخير على لبنان، وسبل مواجهته، ناتجٌ عن تعاون تقني بين البنك الدولي والمجلس الوطني اللبناني للبحوث العلمية. وهو تقرير يغطي القطاعات التي حددتها الحكومة اللبنانية في أواخر عام 2024، وهي: الزراعة والأمن الغذائي، التجارة والصناعة والسياحة، التربية والبيئة والركام، الطاقة، الصحة والسكن، البلديات والخدمات العامة والنقل، المياه والري والمياه المبتذلة. وقد حدد التقرير حجم الأضرار بالدولار الأميركي وهي أرقام قابلة للتغيّر، نترك للمُحاضرَين الكريمين مهمة الخوض فيها اذا ارتأوا ذلك، وهي مهمة صعبة ودقيقة، اذ ان الاعتداءات الإسرائيلية ما زالت مستمرة."
ختم:"وقد أكدت وزارة البيئة أنها تستكمل العمل على معالجة ملف الرُكام، وعلى تقييمٍ بيئي شامل يكون أساساً للمباشرة في التعافي البيئي، بالتعاون مع المجلس الوطني للبحوث العلمية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان."
مخلوف
تحدث رئيس "الحركة البيئية اللبنانية" البروفسور حسان مخلوف عن "التلوث البيئي الذي أحدثه الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان وتحديدا في تلوث الهواء والمياه والتربة بسبب استخدام الأسلحة الكيميائية والمواد السامة، بالإضافة إلى الدمار الهائل الذي خلّف كميات ضخمة من الردميات والأنقاض. تأثرت النظم البيئية في لبنان بشدة، حيث تعرضت الأراضي الزراعية في الجنوب والبقاع، والأنهار، والمناطق الساحلية لتلوث خطير يهدد التوازن البيئي والصحة العامة. لا تقتصر خطورة هذه الملوثات على تأثيراتها المباشرة فحسب، بل تمتد إلى تأثيرات طويلة الأمد على الإنتاج الزراعي، والثروة الحيوانية، والتنوع البيولوجي في لبنان".
واعتبر أن "معالجة هذه الأزمة تتطلب مقاربة متعددة الأبعاد تشمل التدخل العلمي والتقني، بالاضافة إلى تعزيز الوعي البيئي لدى المواطنين. كما أن التعاون بين المؤسسات الأكاديمية، والجمعيات البيئية، والجهات الحكومية يُعد أمرًا بالغ الأهمية لتطوير استراتيجيات فعالة للتعامل مع التلوث واستعادة النظام البيئي خصوصا وأن إسرائيل استعملت الفوسفور الأبيض في قصفها وهو ما يؤثر على البيئة وعلى المياه وأشجار الزيتون وعلى الإنسان عموما".
أمام هذا الوضع عدد مخلوف تقنيات للمعالجة ومنها:
"تقنيات إزالة التلوث : إزالة التربة السطحية الملوثة وإعادة معالجتها في منشآت متخصصة.إجراء اختبارات دورية على المياه الجوفية لضمان عدم تسرب المواد المشعة.استخدام البكتيريا والنباتات الممتصة للإشعاعات التي تعمل على إزالة التلوث من التربة."
كما شدد "على أهمية دور المجتمع المدني والمبادرات البيئية لان معالجة هذه المشكلات البيئية ليست مسؤولية الحكومة وحدها، بل يجب أن يكون هناك دور فاعل للمجتمع المدني والمنظمات البيئية عن طريق:برامج تدريبية للجمعيات البيئية حول تقنيات إزالة التلوث الحيوية والميكانيكية.إشراك المزارعين والصيادين في خطط المعالجة لضمان استخدام موارد مستدامة وآمنة.التعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث لتطوير حلول علمية فعالة لمشكلات التلوث البيئي.
إطلاق حملات توعية حول مخاطر التلوث البيئي وأهمية الحفاظ على النظم البيئية".
ختم: "لقد خلفت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان إرثًا بيئيًا ثقيلًا لا يمكن تجاوزه دون تدخل علمي وتقني فعال. إن معالجة التلوث البيئي تحتاج إلى جهود متكاملة تشمل المؤسسات الحكومية، والجمعيات البيئية، والمراكز البحثية، والمجتمع المدني. من الضروري الاستثمار في تقنيات المعالجة البيئية الحديثة، وتعزيز الوعي البيئي، وضمان مراقبة دورية للمناطق المتضررة."
بوحببيب
أما الدكتور حنا منصور بوحببيب فقد ركز في محاضرته على "القوانين البيئية في لبنان والتي تهدف إلى حماية البيئة والانسان وأهمها القانون اللبناني الرقم 387 والذي اجاز للحكومة التوقيع على معاهدة بازل التي صنفت النفايات وحددت صفات الخطورة ،والقانون الرقم 64 للمحافظة على البيئة والقانون الرقم 444 الذي يصر على ضرورة إجراء دراسة تقويمية الأضرار واثر الحرب على البيئة ، و شدد على وضع القرار 52 والمتعلق بتحديد المواصفات والنسب الخاصة للحد من تللوث الهواء والمياه والتربة موضوع التنفيذ بأقصى سرعة والقرار الرقم 8 والمتعلق بتحديد المواصفات والمعايير المتعلقة بملوثات الهواء والنفايات السائلة المتولدة من المؤسسات المصنفة ومحطات معالجة المياه المبتذلة إضافة إلى القرار 16 المتعلق بالملوثات الهوائية الصادرة عن الحرب" .
تكريم رزق
كما شهد المعرض تكريما للأب الدكتور كرم رزق وتحدثت الدكتورة جوليات الراسي عن مزاياه واعماله ومساهماته الجامعية الكبيرة ،فهو" علم لبناني جنوبي من أعلام الثقافة. هو رجل دين وعلم، كرّس نفسه للقيام بالمهمتين، عنيت به الأب الدكتور كرم رزق، الذي أخلص ولا يزال للمهمتين الساميتين اللتين اختارهما عن اقتناع ومحبة وتفان وتواضع."
اضافت:"هو ابن بلدة القوزح الجنوبية، التي تعرّضت كما غيرها من القرى الجنوبيّة لاعتداءات وحشيّة. درس الأب الدكتور كرم رزق في عدة مدارس قريبة من بلدته قبل أن ينتقل إلى الحياة الديرية ويسيّم كاهنًا في إكليركية الروح القدس – الكسليك عام 1979. كما أكمل مساره التعليمي ليحصل على إجازتين في الفلسفة واللاهوت ودبلوم دراسات عليا في تاريخ الدولة البيزنطية واللغات والآداب الشرقية من جامعة لوفان الجديدة عام 1986. ثم حاز على دكتوراه في اللاهوت والتاريخ الكنسي من الجامعة عينها عام 1989."
تابعت:"درّس في إكليركية الروح القدس في الكسليك، كما في جامعة الكسليك أيضًا، حيث درّس عدة مواد تتعلق بتاريخ الكنيسة منذ نشوئها، وتاريخ الكنائس الشرقية، بالإضافة إلى مواد أخرى تتعلق بمنهجية البحث التاريخي، وتاريخ الولايات المتحدة الأميركية، وتاريخ لبنان المعاصر والحديث، وتاريخ الدولة العثمانية، وتاريخ أوروبا في العصر الحديث، كذلك تاريخ الدولة البيزنطية، الذي يعتبر المتخصصون فيه من الأساتذة معدودين في لبنان. وهكذا نتلمّس من خلال سيرته تبحّر الأب العالم في اختصاصه وفي تخصصات أخرى، ندر أن تجتمع في أستاذ جامعي واحد، ممّا يدلّ على شموليّة علمه وعمق ثقافته واتساع دائرة طلابه الذين تتلمذوا وتخصّصوا على يديه وتنوّع مواضيعهم البحثية. فقد أشرف الأب الدكتور كرم رزق على عشرات من الدراسات المعمّقة وأطروحات الدكتوراه في جامعة الكسليك، كما درّس في جامعة مونبيليه الثالثة، حيث حلّ أستاذًا زائرًا. ليس هذا فحسب بل تولّى الأب الدكتور مهاماً إدارية وأكاديمية عديدة، كمدير معهد التاريخ، ومدير الكونسرفاتوار الشرقي (أي متحف الجامعة حاليًا )، كما تولّى رئاسة جامعة الكسليك بين سنتي 2001 و2004، وعُيّن نائباً لرئيس جامعة الكسليك وعميداً لكليّة الآداب (2013-2016) ثم نائباً لرئيس جامعة الكسليك منذ سنة 2020 حتى الآن".
ختمت:" أسّس الأب رزق عدة أقسام في جامعة الكسليك هي التالية: قسم الآثار وقسم الصحافة وقسم العلوم السياسيّة. كذلك هو مؤسس مجلة الحضارات الشرقية. أما مؤلفات الأب كرم فهي غزيرة ومتنوعة المواضيع واللغات."
مدور
وألقى الدكتور نقولا مدور كلمة في المناسبة ركز فيها على "مواصفات المكرم وعلى انجازاته العلمية والثقافية الاستثنائية التي تعتبر ثروة معرفية لا تقدر بثمن حيث أغنى المكتبات بأبحاثه العميقة التي أتت نتيجة لعمله الدؤوب في دراسة وتحليل الماضي".
وقال :"من خلال مقولتك أثناء محاضراتك " vous etes des futurs historiens"، لم تعلّمُني فقط كيف أكتب في التاريخ، بل كيف أفكّر فيه وأحفر في أعماقه، وكيف أكتشف فيه أبعادًا خفيّة تتجاوز الظاهر إلى جوهر الحقيقة. فزرعتم في عقلي حبًا لا ينطفئ للمعرفة، وأشعلتم في روحي نارًا لا تملّ من السؤال والبحث المستمر. لقد علّمتني أنّ الطريق إلى العلم لا ينتهي، وأنّه كلّما تجاوزنا مرحلة، نستمر في التحدّي والتطوّر. وأنّ التاريخ ليس مجرّد سرد للأحداث، بل هو درس وحكمة في مواجهة التحدّيات، ومعرفة بتقلّبات الزمن. لا يعيش في الكتب فحسب، بل يعيش في كل خطوة نخطوها في حياتنا."
ابو فاضل
من جهته ركز الدكتور مروان ابو فاضل في كلمته على النشاط التعليمي والأكاديمي اللافت الذي أزهر نجاحات باهرة. وقال:" درّس في كلّيّة اللاهوت الحبريّة، في جامعة الروح القدس - الكسليك منذ العام 1989، عدّة مواد تناولت تاريخ الكنيسة، وعلم آباء الكنيسة ولا سيّما السريان. كذلك تولّى تدريس مواد عدّة في كلّيّة الآداب. وأبرز إنجازاته الأكاديميّة المميّزة كانت في معهد التاريخ منذ العام 1989، الذي تولّى إدارته حِقبةً طويلة، ودرّس موادّ أساسيّة منها: منهجيّة البحث والتاريخ، تاريخ لبنان المعاصر، تاريخ أوروبا في العصور الحديثة، تاريخ الإمبراطوريّة البيزنطيّة. وتابع طلّابه في مراحل الماستر والدكتوراه، فأشرف على الرسائل والأطاريح، وساعدهم في اختيار موضوعات تاريخيّة جديدة تستند إلى أصول وأرشيفات، وترأّس جلسات المناقشة، فترك أثرًا طيّبًا في مئات الطلّاب الذين تخرّجوا في المعهد، بعضهم حمل إجازات في التاريخ وما يزال يدرّس في المدارس اللبنانيّة الرسميّة والخاصّة، وبعضهم الآخر نال شهادة الدكتوراه وبرع في مجالات البحث والتعليم الجامعي، وجميعهم يحملون رايات الشكر للأب كرم رزق لما زرعه في قلوبهم من قِيَم علميّة ووطنيّة ودينيّة كانت زادًا لهم في حياتهم العمليّة."
أضاف:"ومن الأعمال المميّزة أيضًا مؤتمر (Le Comté de Tripoli, Etat multi-culturel et multi-confessionnel (1102-1289)) الذي نظّمه الأب كرم رزق مع البروفسور Gérard Dédéyan في العام 2002، وطُبعت أعماله في Guthner. وفي العام 2004 نظّم مع (Dominique Avon) مؤتمر (La Renaissance arabe le modèle de la Nahda)، وطُبعت أعماله في جامعة الروح القدس الكسليك. وقد برز في هذه المؤتمرات من خلال حسن اختيار الموضوعات، والاتّصال بالمشاركين المتخصّصين من لبنان وخارجه، والأهمّ من كلّ ذلك برز إداريًّا دقيقًا في التنظيم ومتابعة الأعمال والتوصيات. وفي سياق التواصل مع الجامعات العالميّة، يشرف الأب رزق على تنظيم سلسلة من المؤتمرات وورش العمل في إطار مشروع (HEMED Communauté thématique: histoire euro-méditerranéenne) الذي ساهم في تأسيسه مع البروفسور دومينيك أفون، وبات يضّم اليوم ستّ جامعات هي (Le Mans-France)، (Genève)، (Bruxelles Libre)، ابن زهر (المغرب)، صفاقس (تونس)، الروح القدس - الكسليك. وينظّم القيّمون على المشروع ورش عمل بحسب موضوعات محدّدة (des ateliers thématiques) كلّ عام في إحدى الدول الأعضاء، وتُنشر نتائج الأبحاث في سياق دروس يستفيد منها الباحثون والأساتذة والطلّاب والقرّاء."
البارد
أما الدكتور منصور البارد فقد أضاء في كلمته عن المكرم على علاقته بالشباب والتركيز عليهم لجهة دورهم في المستقبل كونهم من أهم صناعه.
===ج.س