وطنية - نظّمت "دار النهار" ندوة حول كتاب الباحث الدكتور كمال ديب "مندلى" رواية لبنانية، شارك فيها مدير الدار القاضي زياد شبيب، والدكتور الهام تابت، والكاتب الدكتور كمال ديب، في قاعة الاخوين الرحباني، ضمن نشاطات المهرجان اللبناني للكتاب ال42 الذي تنظمه الحركة الثقافية – أنطلياس، بحضور حشد من الشخصيات الثقافية والادبية والاعلامية والاجتماعية.
واختتمت الندوة بتوقيع الكتاب في جناح "دار النهار" في المعرض.
شبيب
بعد النشيد الوطني تحدث شبيب فقال: "في كتاب مندلى اكتملت ثلاثية كمال ديب الروائية الرساليّة التي أراد التعبير فيها عن مخزون آخر من تجربته المعاشة وذاكرته الخاصة وخلاصات قراءاته وتأملاته الفكرية في إطار أدبي آخر لا يتسع له النوع الذي عُرف فيه في مؤلفاته البحثية في الاقتصاد والتاريخ والسياسة".
واضاف: "الإطار الروائي الذي وضع فيه كمال ديب كل مكنوناته الغنيّة أثبت العديد من الحقائق التي تنبغي الإشارة إليها:
أولًا: أن الرواية، وتحديدًا النوع الروائي الذي اختار اعتماده والتعبير من خلاله، وهو أدب الرواية الألمانية، أي الرواية التعليمية أو التثقيفية، هي الإطار الأمثل لحمل المخزون الفكري والثقافي للكاتب ضمن سياق قادر على نقل هذا المخزون إلى مدى أوسع انتشارًا وأعظم أثرًا من الأُطر الأدبية الأخرى ولا سيما البحثية منها.
ثانيًا: تعد الرواية وسيطا لا يقل شأنًا عن تلك المؤلفات من حيث المحتوى المعرفي الذي يشكل محطّ اهتمامهم في العادة، لا بل إنه يتفوّق ربما وفي جوانب عديدة على النوع الذي اعتادوه.
ثالثًا: أن الكاتب الباحث عندما يبلغ مستوى عاليًا من النضج المعرفي الممزوج بالتجربة الإنسانية العميقة كما هي حال الدكتور كمال ديب، تظهر فيه علامات الإبداع الأدبي وتتفتح تعبيراته المكنونة لتظهر ما يختلجه من مشاعر ومواهب دفينة".
وتابع: "في مندلى، التي ينبغي أن يكون الحديث اليوم حولها، أبدع كمال ديب في البناء الروائي الذي لم تَعُزْه الحبكة ولم يغب عنه التشويق، وهذا لا يمنع من التوقف في هذه العجالة عند العناصر أو المميزات التالية:
الأماكن: أحداث الرواية تدور في أماكن ثلاث رئيسة، بيروت وتحديدًا في حي الصنائع، والشوف بين عين الباروك وبعقلين، وكندا مونتريال. وفي رواية "مندلى" يتمكن كمال ديب من حملك بسهولة والانتقال بك إلى الأماكن التي يسرد فيها أحداث الرواية حتى وإن لم تكن ممن زاروها سابقًا.
النفس البشرية والمشاعر: "مندلى" رواية تثقيفية ولكن المشاعر الإنسانية العميقة لشخصياتها تشكل أساس البناء فيها والحب لا يغيب عنها، وإن لم تكن رواية عاطفية.
الكثافة الفكرية والثقافية: تتميز رواية مندلى وروايات كمال ديب الثلاث، بالمحتوى الثقافي الهام. وبالخبرة الشخصية".
تابت
ثم تحدثت الدكتورة تابت فقالت: "في روايته الجديدة "مندلى"، يتابع الدكتور كمال ديب عملًا جبارًا، إذ يخوض مجال الأدب الروائي الذي بدأت رحلته معه في روايته "أنغلا" وبعدها "مجدلى". فالمفكر والباحث في مجالات السياسة والاقتصاد والتاريخ، صاحب مسيرة زاخرة بالعطاء، لكنّه لا يكتفي بما حققه في مجالات اختصاصه. إنّه يتابع البحث والتنقيب مسكونًا بهاجس وطني وقومي وإنساني، مشدودًا إلى جذوره، محاولاً بكل ما أوتي من فكر ومعرفة أن يعطي وطنا منهكًا وأمة مشرذمة وإنسانية فقدت وجهها، شيئًا من الضوء".
اضافت: "ذاك هو الخيط الذي يُمسك مؤلفاته في مختلف المجالات، ويجعلنا نستشّف أمرين مترابطين: الأول ملامح رحلته مع ذاته من خلال بعض شخصيات رواياته. والثاني مدى انغراسه بأرضٍ غادرها صغيرًا إلى كندا حيث صنع مسيرة مجليّة وشغل مناصب رفيعة كباحث في الاقتصاد وكأستاذ جامعي، لكنّه ظل ملتصقًا بأماكن الطفولة ورائحة الصعتر، وظل يحلم بأنّ غداً أفضل سيكون لوطنه الأم".
وتابعت: "صحيح أنّ الإنسان محكوم بالحنين إلى الأرض الأولى التي تنشّق هواءها ولعب بترابها ونشأ بين أهلها، وهذا الحنين كان رافعة لنهضة أدبية وشعرية لدى أجيال من المهاجرين اللبنانيين إلى أصقاع العالم بحثًا عن حياة أفضل وهربًا من الظلم والتخلّف. لكنّ هذا الحنين كما نعاينه في مؤلفات كمال ديب يخرج عن سياق التعبير الجمالي لدى الكثيرين من أهل القلم المهاجرين، فهو ينحو إلى خيار قد لا يتخذه الكثيرون ممن حققوا نجاحات في الخارج. هكذا نرى المؤلف يتخلّى عن وظيفته لدى الحكومة الكندية والتي يحلم بها كثيرون، ويتفرّغ للكتابة عن وطنه ومشرقيته. وإذ يُسأل عن ذلك يُفصح عن تساؤلات طرحها على نفسه حول العدالة وتوزيع الثروات والمداخيل في عالم متوّحش يُمعن في زيادة ثروات القلة على حساب إفقار الكثرة، وبالتالي حول ما يحتاجه الإنسان ليعيش بسلام من دون أن يأكل أخيه الإنسان أو يدمر الطبيعة.
وختمت: "شرّفني كمال ديب عندما طلب مني قراءة مسوّدة "مندلى" ومن ثم كتابة مقدمة لها، وبقدر ما شعرت بالمتعة والتأثر في قراءتي لهذه الرواية، سأختصر في الكلام عنها، لأترك للقارىء متعة الاكتشاف والدهشة في مرافقة بطلتها، من طفولتها إلى بلوغها مرحلة التنوّر وإن كان نسبًا.
ديب
وفي الختام تحدث المؤلف ديب فقال: "روايتي الجديدة "مندلى" وهي تستكمل ثلاثيتي عن العادات والتقاليد اللبنانية. فبعد روايتيّ مجدلى وآنغيلا، أقدّم الرواية الثالثة مندلى. عن فتاة لبنانية في مسيرتها من المراهقة والثورة وإندفاعة الشباب إلى الحكمة واتزان العقل. أستعملُ في رواية مندلى تقنيات أدب الرواية الألمانية. فهي أولاً من صنف الـ Bildungsroman أي هي رواية تعليمية تثقيفية، فيتمتّع القارىء بالسرد وبالوقائع ولكنّه يستفيد أيضاً من المعلومات التاريخية والإخلاقية ويتجّه إلى الحياة الفضلى وهو يغوص في صفحاتها. وهي ثانياً تستعمل تقنية الـ dopperlganger "أي االشخص البديل عن بطل القصة. والذي نجده في لارا وهي صديقة مندلى التي ترافقها وتمارس حياة متحرّرة يرافقها المجون والتفلّت في بيروت السبعينات. وهي أمور لا تمارسها مندلى نفسها كي تحافظ على عفافها النسبي ولكي يغفر لها القارىء هفواتها فيما بعد".
وختم: "ثمّة تقنية تدعى deus ex machina أي "الصدفة الإلهية". ففي الأدب اليوناني القديم تصل حبكة الدراما إلى موقف مستحيل، فيهبط الإله في صندوق من سقف المسرح (كالمصعد الكهربائي اليوم) ويعطي الحل بمشيئته فتستمرّ الدراما. وفي روايتنا هنا أمثلة عن هذه التقنية، مثلاً عندما تسافر مندلى إلى كندا على بعد عشرة ألآف كيلومتر من لبنان، فإذا بها في الأسبوع التالي لوصولها إلى مونتريال تلتقي صديق المدرسة جو سليمان في الشارع، وهي صدفة هامة جدّاً تساهم في رسم بقية القصة".
=============