وطنية - ترأس راعي ابرشية قيصرية فيليبس ومرجعيون وتوابعها للروم الكاثوليك المتروبوليت جاورجيوس الحداد رتبة جناز السيد المسيح في كاتدرائية القديس بطرس في مرجعيون، يعاونه كاهن الرعية والكاتدرائية الايكونومس الكسيوس ميلاد كلاس، بحضور حشد من المؤمنين.
وألقى عظة قال فيها:
"في يومِ الْجُمُعَةِ الْعَظِيمةِ، تعيشُ الكَنيسَةُ الذِّكرى الأَليمة والْمبَاركة في ذاتِ الوقت. يومُ الصَّليب، نُشاهدُ فيه عذابَ الْمسِيحِ الْجَسدِيِّ والنَّفسِيِّ، الذي كان جُزءًا من هذا التَّحدِّي العظيمِ في العَالَم. يومُ الْجُمُعَةِ الْعَظِيمةِ يومٌ شَهِدَ أَسْمى تَعبيرٍ عن مَحبَّة الله لِلبشَرِيَّة، حينمَا حَمَلَ ابنُ اللهِ الصَّليبَ على كَتِفَيْهِ، حُبًّا بالإِنسَانِ لِيُخَلِّصَهُ ويُطهِّرَهُ من خطَاياه. صُورةُ الآلامِ في هذا اليوم، تُظْهِرُ لنا أَنَّ التَّحدِّياتِ التي نُواجِهُهَا في حَياتِنا اليَوميَّة لَيست سِوى فُرَصٍ لِتقوِيَةِ إِيـمَانِنَا وتثْبيتِهِ. بالصَّليبِ، نَتَعَلَّمُ أَنَّ القُوَّةَ الْحَقيقيَّةَ لا تَأْتي مِنَ الظَّاهِر، بَل مِنَ الإِيـمَانِ العَمِيقِ في قَلْبِنَا" .
أضاف: "يومُ الْجُمُعَةِ الْعَظِيمةِ هو اليومُ الذي نتذكَّرُ فيه أَكبرَ تَضحِيَةٍ في تاريخ البَشَريَّة : صَلْبُ يَسوعَ الْمسِيح على الْجُلْجُلة. الصَّليبُ والصَّلبُ ليسا مُجرَّدَ حدَثٍ تَاريـخِيٍّ عَبَرْ، بَل هو عَملٌ إِلَهِيٌّ وخلاصيٌّ أَتَمَّهُ الله من خلالِ ابْنِهِ، يَسُوعَ الْمَسِيح، من أَجْل فِدَاءِ البَشَرِيَّةِ وهذا ما تدعوهُ الكَنيسَةُ سِرُّ الفِدَاء. وسِرُّ الْفِدَاءِ هو جِزْءٌ لا يَتَجَزَّأُ مِن سِرِّ الإِفْخَارسْتِيَّا (أَو الْقُربَانَ الْمُقَدَّسَ) بِحَيْثُ أَصْبَحَ ابْنُ اللهِ الْمُتَجَسِّدِ هوَ الْحَمَلُ الْمَذبوحُ، "الْمُقَرِّبُ والْمُقَرَّبُ، والْقَابِلُ والْمُوَزَّعُ" وبِوَصِيَّتِهِ تُكَمِّلُ الْكَنيسَةُ بِسِرِّ الإِفْخَارسْتِيَّا سِرَّ الْفِدَاءِ عَلى الصَّليب".
وتابع: "بهَذَا قد عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ : أَنَّ ذَاكَ قَد بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا."(1يوحنا 3 : 16). هُنَا يَظْهَرُ سِرُّ الفِدَاء بِوضُوحٍ : بَذَلَ الْمَسِيحُ حَيَاتَهُ مِن أَجْلِنَا وآخِرُ كَلِمَتَيْنِ له وهو على الصَّليبِ "لَقَد تَمّ" أَيْ أَنَّه أَتَمَّ ما جَاءَ مِن أَجلِهِ مِن لَدُنِ الآب وهو سِرُّ الفِدَاء. لَمْ يَأْتِ الْمَسِيحُ لِيُخَلِّصَ نَفْسَهُ، بل لِيُخَلِّصَنَا نَحْنُ، أَلَم يَهزَأْ بِهِ اللِّصَّانُ اللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ، وكذَلِكَ رؤَسَاءُ الكَهَنَةِ مع الْكَتَبَةِ والشُّيُوخِ كانوا يتَهَكَّمُونَ ويَسْخَرونَ في ما بَيْنَهُم وهو على الصَّليبِ قَائِلِين : "خَلَّصَ غَيْرَهُ ولَم يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ !... فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَهُ إِن كانَ مَسيحَ الله، الْمُخْتَار !... أَلْمَسِيحُ !... مَلِكُ إِسْرَائِيل !... فَلْيَنْزِلِ الآنَ عَنِ الصَّليبِ فَنؤمِنَ بِهِ. (متَّى27 : 40-42 ؛ مر15 : 29-32 ؛ لو23 : 35-37)".
واردف: "نَعَم لَمْ يَأْتِ الْمَسِيحُ لِيُخَلِّصَ نَفْسَهُ، بَلْ لِيُخَلِّصَنَا نَحْنُ الغَارِقِينَ في كَثْرَةِ زَلاّتِنَا وخطَايَانَا. هذَا الفِدَاءُ بِدَمِ الْمَسِيح لَهُ قَوَاعِدُهُ وهو دَعْوَةٌ لَنَا إِلى التَّوبَةِ الْحَقيقِيَّة غَيْرِ الْمُزَيَّفَةِ أَو التَّوبَةِ الْكَاذِبَةِ، وبَعْدَ التَّوبَةِ طَلَبِ الغُفْرَانِ. أَلا نَذْكُرُ ما قَالَهُ الرَّبُّ يَسُوعُ لِبُطْرُسَ نواحي قيصَرِيَّةِ فيلِبُّس : "وسَأُعْطِيكَ مَفَاتيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَات : فَكُلُّ مَا رَبَطْتَهُ على الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا في السَّمَاوَات، وكُلُّ ما حَلَلْتَهُ على الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلولاً في السَّمَاوَات".
الفِدَاءُ هو دَعْوَةٌ لِعَيْشِ مَحَبَّةِ الله بالتَّوبَةِ في حَيَاتِنَا. فالتَّضْحِيَةُ الَّتي قَدَّمَهَا الْمَسِيحُ على الصَّليبِ تَدْعُونَا إلى أَن نَعيشَ حيَاةَ التَّوبَةِ والتَّضْحِيَةِ والْمَحَبَّةِ بِصِدْقٍ ووَفَاء. "لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَبْذِل نَفْسَهُ عَنْ أَحِبَّائِه."(يو15 : 13). من خلال الصَّليبِ، قَدَّمَ لَنَا الْمَسِيُحُ أَسْمى مِثَالٍ على الْمَحَبَّةِ الإِلَهِيَّة. صُلِبَ مِنْ أَجْلِنَا، أَلا نَشْهَدُ في قَانُونِ الإِيـمَانِ (قانونِ مجمع نيقية سنة 325 الَّذي نَحتَفِلُ لَهُ في هَذِهِ السَّنَةِ بالْمِئَوِيَّةِ السَّابِعَةِ عَشْرَةَ) نَشْهَدُ فنَقُولُ : نؤْمِنُ بِرَبٍّ واحدٍ يَسُوعَ الْمَسِيح، ... الَّذي مِنْ أَجْلِنَا نَحْنُ الْبَشَر، ومِنْ أَجْلِ خلاصِنَا، نَزَلَ مِنَ السَّمَاء، ... وصُلِبَ عَنَّا. لَقَد افتدَانَا الله بِدَمِ ابْنِهِ على الصَّليبِ لأَنَّهُ يُحِبُّنَا، وهذَا الْحُبُّ هو الَّذي فَتَحَ لَنَا الطَّريقَ إِلى الْخَلاص. هذِهِ هِيَ الْحَقيقَةُ الَّتي كَشَفَ عَنْهَا الصَّليب : التَّضحِيَةُ في سِرِّ الفِدَاء. أَللهُ لَم يُرْسِل ابْنَهُ لِكَيْ يُعَاقَبَ على خَطَايَا الْبَشَرِيَّة، بَلْ لِيُعْطي حَيَاتَهُ لَهَا، ولِيَكُونَ الْكَفَّارَةَ عَن الْجَميعِ أَيْ الْحَمَلِ الْمَذْبُوحِ مِنْ أَجْلِنَا وهَذَا هو ارتباطُ سِرِّ الإِفْخَارسْتِيَّا بِسِرِّ الفِدَاء. وفي هَذَيْنِ السِّرَّيْنِ نَجِدُ الخَلاصَ والرَّاحَةَ في النُّور "مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي ويَشْرَبُ دَمي، لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةِ وأَنَا أُقيمُهُ في الْيَوْمِ الأَخير". إِذَن الفِداءُ هُوَ عملُ مَحَبَّةِ اللهِ ورَحْمَتِهِ لِبَني البَشَر : الآبُ أَحَبَّنَا وبَذَلَ ابْنَهُ الوحيدُ إِلى الْمَوْتِ لأَجْلِنَا، والإبنُ أَحَبَّنَا وبَذَلَ نَفْسَهُ إِلى الْمَوْتِ لأَجْلِنَا" .
وقال: "في هذا اليوم، نُسَلِّطُ الضَّوْءَ على الْحَقيقَةِ العَميقَةِ الَّتي تَكْشِفُ عَن التَّدبيرِ الإِلَهي والإِيكونوميَّا الإِلَهِيَّة وعَنْ مَحَبَّةِ الله اللاَّمُتَنَاهيَة، الَّتي تُجَسِّدُهَا آلامُ الصَّليب. إِنَّ الصَّليبَ لَم يَكُنْ مُجرَّدَ أَداةٍ لِتَنفيذِ عُقوبةِ الْمَوْت، بَلْ رمزُ مَحبَّةِ اللهِ اللاَّمُتَنَاهِيةِ وعِنَايَتِهِ وتَدْبيرِهِ لِلْبَشَرِيَّة. في تِلكَ اللَّحظةِ الَّتي رُفِعَ فيهَا الْمَسِيحُ على الصَّليب، كَانت مَحَبَّتُهُ لَنَا (لِكُلِّ واحدٍ منَّا) تَتَجَسَُّد بِأَسْمَى مَعَانيهَا عَبْر ذَلكَ الصَّليب، (فَهَلْ فِينَا مَنْ يُبَادِلُهُ تِلْكَ الْمَحبَّة ؟)، أَمَّا جَسَدُهُ الْمُعَذَّبَ والَّذي يَتَأَلَّم، فمن أَجْلِ غَسْلِ خَطَايَا الْبَشَر، حيثُ خَرَجَتْ نِعْمَةُ الله وفَتَحَت أَبْوَابَ الْخَلاصِ لِكُلِّ مَنْ يَتُوبُ ويُؤْمِن، (فَهَلْ منْ يَتُوبُ مِنَّا عن خَطَايَاهُ وذُنُوبِهِ بِبُكَاءٍ مُرٍّ على مثَالِ بُطْرُس بَعْدَ صِيَاحِ الدِّيك، بِسَبَبِ خِيَانَاتِنَا وأَنَانِيَّاتِنَا ؟(متّى26 : 75)".
واشار الى أن "الْمَحَبَّةُ مِن طَرَفٍ واحِدٍ سَاقِطَة ما لَم نَتَبَادَلْهَا مع طَرَفٍ آخَر، فالآخَرُ يُعْطِينَا مِصْدَاقِيَّةَ الْمَحبَّة، أَلَم تَأْتِ هَذِهِ في مَا رَدَّدَهُ السَّيِّدُ الْمَسِيحُ عَن أَعْظَمِ الوَصَايَا لأَحَدِ الْكَتَبَة الذي جَاءَ يَسْأَلُهُ : " أَيُّ وصِيَّةٍ هِيَ أُولى الوصَايَا جَميعًا ؟". فَاَجَابَ يسوع : " الأُولى هِيَ : إِسْمَعْ يَا إِسْرَائيل، إِنَّ الرَّبَّ إِلَهَنَا رَبٌّ أَحَد. فَأَحْبِبِ الرَّبَّ إِلَهَكَ بِكُلِّ قَلْبِكَ وكُلِّ ذِهْنِكَ وكُلِّ قُدْرَتِكَ. والثَّانيَةُ هِيَ : أَحْبِب قَريبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ. ولا وصِيَّةَ أُخْرَى أَعظَمُ مِنْ هَاتَيْن ". قد صُلبَ الْمَسِيحُ ومَاتَ على الصَّليب، واقْتَبَلَ الْمَوْتَ لِكَيْ يُعيدَ لَنَا الْحَياةَ من جَديد. في الصَّليب نُعَايِنُ الأَلَم، والقِيَامَةُ أَيْضًا بانتظَارِ أَنْ نُعَايِنَهَا مِنْ خِلالِ الصَّليب. قَد صُلِبَ الْمَوْتُ بِصَلْبِ الْمَسِيحِ وانْهَزَمَ الشَّرُّ وأُبيدَتِ اللَّعْنَة، وأَصْبَحَ الْخَلاصُ مُرشَّحًا لِلْجَمِيع بِحَيْثُ يَسْتَطِيعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَقُولَ مَعَ الرَّسُولِ بُولُس: إِنَّ ابْنَ اللهِ "أَحَبَّني وبَذَلَ نَفْسَهُ عَنِّي".
وتابع: "يَقولُ القدِّيسُ بُولُس في رسَالتِهِ إِلى أَهْلِ أفَسُسْ : "فَلقَد كُنتم، أَنتُم، أَمْوَاتًا بِزَلاَّتِكُم وخَطَايَاكُم، الَّتي فيها قَبْلاً، ... غَيْرَ أَنَّ اللهَ، لِكَوْنِهِ غَنِيًّا بالرَّحمةِ، ومن أَجْلِ فرْطِ مَحَبَّتِهِ الَّتي أَحَبَّنَا بها، وحينَ كُنَّا أَمْوَاتًا بِزَلاّتنا، أَحْيَانا مع الْمَسيح ـ إِذْ أَنْتُم بالنِّعمَةِ مُخَلَّصُون ـ ومعَهُ أَقَامَنَا، ومعَهُ أَجْلَسَنَا في السَّمَاوات."(أَفسس2 : 1-2 ؛ 4-6).في نُبُوءَةِ أَشَعْيَا نَسْمَعُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ : "صَارَت رِئَاسَتُهُ عَلى كَتِفِهِ" (أَش 9 : 6). فَيسُوعُ حَمَلَ الصَّلِيبُ عَلى كَتِفِهِ لِيَمْلِكَ عَلى قُلوبِنَا بِمَحَبَّتِهِ الَّتِي ظَهَرَت فِي الصَّلِيبِ. بالصَّليبِ أَبادَ قُوَّةَ الْمَوْت، وحَطَّمَ قُدْرَةَ الشَّيْطَان، ولاشَى قُوَّةَ الْخَطيئَة. الصَّليبُ إِرَادَةُ الآبِ، ومَجْدُ الإِبنِ، ومسَرَّةُ الرُّوحِ القُدُس، ومَدِيحُ بُولُسَ الرَّسُولِ القَائِل : "أَمَّا أَنَا فَمَعَاذَ الله (فحَاشَا لي) أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَليبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسيح ".
وختم: "مِنْ افْتِخَارِ بولُسَ والرُّسُلَ بالصَّليب رَاحَ آبَاءُ الْكَنيسَةِ يُنْشِدُون ويَنْسُجُونَ كَلِمَاتٍ حَوْلَ الصَّليبِ تُبَيِّنُ أَهَمِّيَةَ مَعْنَى الصَّليبِ بِالنَّسبَةِ إِلى الإِيمانِ المَسيحِيّ. وفي صَلَوَاتِ الْعِيدِ في الطَّقْسِ البيزَنْطِيِّ تَقُولُ إِحدَى الصَّلَوَاتِ في غُروبِ العيد : "إِفرَح أَيُّها الصَّليب الحامِلُ الحَياة، يا بابَ الفِردَوس وثَباتَ المؤمِنين. الَّذي بهِ اضمَحَلَّ الفَسادُ وابتُلِعَ المَوت، وارتَقَينا مِنَ الأَرضِ إِلى السَّماوات. إِفرَح أَيُّها الصَّليبُ الكَريم، الَّذي بهِ انحَلَّت اللَّعنَة، وأَزهَرَ عَدَمُ الفَساد، ونحنُ المائِتين قَد تَأَلَّهنا. أَنتَ بِالحَقيقَةِ مجدُ الأَبرارِ والشُّهَداء، وميناءُ الخَلاص، الْمَانِحُ العَالَمَ الرَّحمَةَ العُظمى". بِهَذِهِ الأَقوالِ تُعَبِّرُ الكَنيسَةُ عَن إِيـمَانِها بِالخَلاصِ الَّذي حَصَلنَا عَليهِ بِوَاسِطَةِ مَوتِ السَّيِّدِ الْمَسيح عَلى الصَّليب".
============= ر.ع