وطنية - شهدت جامعة القديس يوسف (اليسوعية) في الرابع عشر من نيسان 2025، بعد يوم واحد فقط من إحياء الذكرى الخمسين لانطلاقة الحرب الأهلية اللبنانية، حدثاً وطنياً استثنائياً حمل بُعداً رمزياً وإنسانياً برعاية سفيري فرنسا هرفي ماغرو والمملكة المتحدة البريطانية هاميش كاويل وكان حاضراً أيضاً وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد، وزير العدل عادل نصار، ممثلة وزير الإعلام مديرة البرامج في إذاعة لبنان ريتا نجيم الرومي، ممثل وزير الثقافة المدير العام الدكتور علي الصمد، ممثل وزيرة التربية والتعليم العالي الأستاذ فهمي كرامي، سفراء كل من إسبانيا، السويد وكندا، بالاضافة الى الوزيرين السابقين ناصيف حتي وزياد المكاري وشخصيات عسكرية، وفاعليات اجتماعية، أكاديمية، ثقافية و إعلاميين.
الحدث من تنظيم جمعية "مارتش" بالتعاون مع كلية العلوم السياسية في الجامعة، بعنوان:"المصالحة في طرابلس: مسار لإعادة بناء العقد الاجتماعي في لبنان". نموذج مصالحة في طرابلس... شهادات حيّة ملهمة حرّكت وجدان الحضور.
لم يكن الحدث بحسب بيان للجمعية، مجرد لقاء رمزي، بل مساحة حيّة جمعت مقاتلين سابقين وضحايا العنف الطائفي من طرابلس على مسرح واحد. هؤلاء الذين قاتلوا بعضهم البعض و تخاصموا فيما مضى، اجتمعوا ليطلقوا صوتاً موحدًا على أنً "المصالحة ليست مستحيلة، بل واقعية وممكنة، حين تتوافر الإرادة مع برنامج مصالحة متكامل كما فعلت مارتش”
شارك في اللقاء مقاتلون سابقون، وضحايا إرهاب ونزاعات مسلّحة، من باب التبانة، وجبل محسن، ومناطق نزاع أخرى في طرابلس، أدلوا بشهادات صادقة عن رحلتهم من العنف إلى الغفران، ومن الانقسام إلى إعادة بناء الجسور، الذي تحقّق من خلال برنامج جمعية "مارتش"، ليكونوا رسالة صادقة للناس ونموذج فعّال للعيش المشترك.
هؤلاء الشبان والشابات، تحولوا بحسب البيان، من أشخاص يتّسمون بالعنف أو ضحايا لصراعات سابقة إلى صانعي تغيير إيجابي، يعملون على تخفيف التوتر والانقسام في مناطقهم، وبناء مستقبل أفضل، يُظهرون كيف يمكن لهذا النموذج أن ينتشر في طرابلس و كل لبنان، ليصبح شهادة حيّة على أن المصالحة الوطنية ليست مستحيلة بل هي واقع يمكن تحقيقه.
شهاداتهم جاءت أيضاً لتطلق نداءً للدولة بضرورة الإلتفات إليهم واحتضانهم، واحتواء التوترات في الشمال وسائر لبنان، والتأكيد أن التغيير ممكن، لكن يجب أن يُعزّز من خلال الدولة ومؤسساتها.
تخلل الحدث أيضاً فيلم وثائقي مؤثر وثّق مسار التحول الفردي والجماعي، وبرنامج جمعية "مارتش" النموذجي في المصالحة والتنمية الإنسانية والاجتماعية. كما تضمّن مشهدًا مسرحياً مشتركاً من كتابة وتمثيل شباب طرابلس وقد انضم إليهم شباب من بيروت (تحديداً من الشياح، عين الرمانة، وطريق الجديدة)، صاغوا خلاله مشهداً حيّاً عن التغيير، الأمل، والشراكة العابرة للطوائف والمناطق.
وأكدت رئيسة جمعية" مارتش" ليا بارودي في كلمة أن "دوامة العنف والانقسامات في طرابلس سببها التهميش والإهمال المزمن والمتراكم والظلم المعيشي. طرابلس من أفقر مدن المتوسط. وهذا الإهمال يجعل مجتمعات بأكملها تشعر أنها ليست جزءاً من هذا الوطن فالتهميش يبدد الانتماء، ومع ضياع الانتماء تضيع الهوية، فيبحث الناس عن بدائل، سواء إيديولوجية أو طائفية أو خارجية. ومن دون انتماء، لا وجود لقاسم مشترك، ولا لمصالحة حقيقية، ولا لعقد اجتماعي سليم.” مؤكدة انه " في ظل التطورات المحلية والإقليمية، أصبحت المصالحة ضرورة وطنية. لأن عدم الثقة بين بعضنا البعض هو أصل مشاكلنا ، ونحن نسعى دائماً أن نعالج الأعراض و ليس السبب، وهذا لا يمكننا من البناء على أسس متينة."
واعتبرت ان "المصالحة ليست مجرد أحداث متفرقة أو حوارات بين القادة، بل يجب أن تكون ضمن المؤسسات الرسمية: في الوزارات، وفي السياسات العامة." وناشدت أن "تصبح المصالحة جزءاً من التخطيط الوطني,من خلال التعليم، العدل، الرياضة، الثقافة، الإعلام، السياحة، البلديات... على ألّا تكون فقط مبادرة أحاديّة تقوم على عاتق المجتمع المدني".
أثنى السفير البريطاني على ما تقوم به "مارتش"، معتبراً “أن هذا العمل هو حجر الأساس لمستقبل لبنان، ويستحق كل الدعم" .
فيما عبّر السفير الفرنسي عن إعجابه العميق بشجاعة المشاركين قائلاً:"لقد مددتم الجسور بين خصوم الأمس , وهذه رسالة تتخطى حدود لبنان".
أما وزير العدل اللبناني، فدعا إلى "تعميم هذه التجربة على كامل الأراضي اللبنانية"، مؤكداً أن" السلام لن يُبنى إلا إذا ضمّ من أُقصيوا، واستمع لمن كانوا على الهامش".
من الهامش إلى المركز: ولادة أمل جديد
ختم البيان :"هذه اللحظة الجامعة، التي التقت فيها روايات متعددة من مناطق وخلفيات متباينة، صنعت مشهداً وطنياً نادراً، طغى عليه الأصالة والصدق، وأعادت التذكير بأن إعادة بناء لبنان يجب أن تقوم على برنامج مصالحة ومصارحة متكامل، وبناء جسور وثقة بين جميع المواطنين.ما شهدته بيروت في هذا اليوم هو نموذج صغير لمشروع المصالحة الذي يمكن أن يكون مثالاً يقتدى به على إمتداد الوطن، وانطلاقة لمرحلة جديدة من المصالحة الوطنية – مرحلة لا تُقصي أحدًا، بل تعيد دمج من كانوا في الصفوف الخلفية، ليصبحوا جزءاً أساسياً من مشروع الوطن، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب".
===ج.س