وطنية - كتبت صحيفة "الجمهورية": لبنان محشورٌ في زاوية التحدّيات الصعبة، بدءاً بتحدّي إعادة إنهاض الدولة ومؤسساتها، وما يتطلّبه مسار الانتعاش المالي والإقتصادي من إجراءات وإصلاحات ضرورية وملحّة، وصولاً إلى التحدّي الأخطر في إدخال البلد واحة الأمان والاستقرار. وإذا كان الجهد الرسمي منصبّاً على تثبيت خطى البلد على سكة التعافي في ظل وعود حكومية بإنجازات على هذا الصعيد، فإنّ هذا الجهد يسابق العامل الإسرائيلي الذي يضغط بشكل كبير على أمن البلد واستقراره. وإزاء ذلك، فإنّ المستويات الرسمية في الدولة مستنفرة سياسياً وديبلوماسياً للنأي بلبنان عن منصة الإستهداف اليومي، مراهنةً على تجاوب رعاة اتفاق وقف إطلاق النار في ردع إسرائيل، التي رفعت تيرة اعتداءاتها بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وتتقاطع مختلف القراءات والتحليلات على الخشية من أن يكون ذلك تمهيداً لاحتمالات صعبة تدفع فيها إسرائيل الوضع إلى منزلقات خطيرة.
احتلال الأجواء
غداة العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية، احتل الطيران التجسسي الإسرائيلي أجواء الضاحية ووصل إلى أجواء العاصمة بيروت وعرمون وخلدة، ومختلف مناطق الجنوب التي كانت على مدى نهار أمس مسرحاً لاعتداءات على طول المناطق القريبة من خط الحدود، من دون أي اعتبار من قِبل إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار.
وسُجِّلت زيارة لافتة لقائد الجيش العماد رودولف هيكل إلى منطقة الجنوب، حيث تفقّد الوحدات العسكرية المنتشرة في مرجعيون والخيام. مؤكّداً للعسكريِّين أنّ جهودهم رسالة للبنانيين في الداخل وكذلك للمجتمع الدولي، بأنّهم يثبتون أنّ لبنان وطن نهائي لأبنائه من مختلف الانتماءات، ويُنفّذون مهمّاتهم كاملة على مساحة الوطن حفاظاً على علم بلادهم من دون أي تردّد. وأضاف: "إنّ دور الجيش أساسي وحيَوي من أجل استمرار الوطن، ولا شيء يُثنينا عن مواصلة أداء واجبنا". وزار قائد الجيش أيضاً، بلدة بلاط وقدّم التعازي بالرقيب الأول الشهيد جودات نورا الذي استشهد نتيجة انفجار ذخائر في منطقة بريقع.
استنفار رئاسي
على أنّ السؤال الذي يشغل مختلف الأوساط: لماذا هذا التجاهل الفاضح من رعاة الاتفاق لتُلفِت إسرائيل منه، في الوقت الذي نفّذ لبنان كلّ المطلوب منه من التزامات، بشهادة كل المعنيِّين بهذا الاتفاق، ولاسيما الأمم المتحدة وقوات اليونيفيل؟
إلى ذلك، كشفت مصادر رسمية لـ"الجمهورية" عمّا سمّته استنفاراً رئاسياً سبق وأعقب العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية بعد ظهر أمس الأول الأحد، تجلّى في حركة اتصالات متتالية وتواصلت يوم أمس، أجراها رئيس الجمهورية جوزاف عون على مستوى الداخل، وكذلك مع جهات دولية متعدّدة وتحديداً مع الجانبَين الأميركي والفرنسي، بوصفهما راعيَي اتفاق وقف إطلاق النار، لوقف العدوانية الإسرائيلية.
وحول مضمون هذه الاتصالات، أكّدت المصادر أنّ رئيس الجمهورية عبّر عن موقف لبنان الرافض للعدوان الإسرائيلي، وانتهاكه المتواصل للسيادة اللبنانية، ما يوجب على رعاة الاتفاق تحمّل مسؤولياتهم في ممارسة الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها وإلزامها باحترام وقف اطلاق النار، مؤكّداً في الوقت عينه التزام لبنان بالاتفاق وبمندرجات القرار 1701، كاشفةً أنّ الجهات الدولية "عبّرت عن تفهّم جدّي للموقف اللبناني، وحرص على استقرار لبنان".
وكان الرئيس عون، قد استقبل في القصر الجمهوري في بعبدا أمس، وفداً من مجلس الشيوخ الفرنسي، زار أيضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري في مقر رئاسة المجلس في عين التينة. وأبلغ الرئيس عون إلى الوفد "أنّ قرار حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية متخذ وفق ما ورد في خطاب القَسَم وتتمّ معالجته بهدوء ومسؤولية حفاظاً على السلم الأهلي في البلاد. الجيش اللبناني يقوم بواجبه كاملاً جنوب منطقة الليطاني وفقاً للاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه في تشرين الثاني الماضي، ويواصل تنظيف القرى والبلدات التي ينتشر فيها من الذخيرة والمظاهر المسلحة، علماً أنّ وحدات الجيش تعمل في منطقة واسعة، ما يتطلّب وقتاً لاستكمال مهماتها". ولفت إلى أنّ "العائق الأساسي الذي يحول دون وصول الجيش إلى الحدود هو وجود خمس تلال يحتلها الجيش الإسرائيلي، علماً أنّ لا قيمة عسكرية لهذه التلال، لكنّ رفضَ الإسرائيليِّين الانسحاب منها يُعقّد الأمور ويمنع الاستقرار على الحدود، الأمر الذي يجعل الانسحاب الإسرائيلي من هذه التلال أمراً ضرورياً ليستكمل الجيش انتشاره وتكون الدولة اللبنانية قد بسطت سلطتها على كامل أراضيها".
وأكّد أنّ "العودة إلى لغة الحرب ممنوعة، وأنّ هذا الأمر تبلّغه جميع المعنيِّين، وهو مطلب لبناني جامع"، مشدّداً على أنّ "معالجة موضوع حصرية السلاح تتمّ بمسؤولية وطنية عالية حماية للسلم الأهلي في البلاد". ولفت إلى "أنّ الإصلاحات حاجة لبنانية قبل أن تكون مطلباً خارجياً"، مشدّداً على أنّ "مكافحة الفساد لها الأولوية بالنسبة إليه وإلى الحكومة، ولا مجال للتراجع عن محاسبة الفاسدين والمرتكبين".
من جهة ثانية، لفت عون إلى أنّ "وجود غالبية النازحين السوريِّين في لبنان بات وجوداً اقتصادياً وليس أمنياً أو سياسياً"، وأكّد أنّ الانتخابات البلدية والاختيارية، ستجرى في موعدها. وأضاف: "ما نسعى إليه في لبنان هو بناء الدولة وإعادة ثقة الداخل والخارج بها، ونعمل على المحافظة على الاستقرار السياسي والأمني لتفعيل هذه الثقة".
بري يحذّر
على ما ينقل زوّار عين التينة عن رئيس المجلس النيابي نبيه برّي تحذيره من مخاطر ما تبيّته إسرائيل للبنان، وبحسب ما سمع الزوار فإنّ إسرائيل باعتداءاتها التي لم تتوقف، تُمعِن في نسف اتفاق وقف إطلاق النار، من دون أن يمارَس عليها ضغط رادع لها، فيما لبنان وبشهادة الداخل والخارج ملتزم كلياً بالقرار 1701 وبمندرجات اتفاق وقف إطلاق النار، وتقابل ذلك وعود كلامية يتلقّاها - كما حصل في الساعات الأخيرة - بالضغط على إسرائيل من دون أن تُلمَس أي ترجمة جدّية لهذه الوعود.
وكان بري قد استقبل وفداً من الباحثين في معهد الشرق الاوسط للدراسات في واشنطن (MEI) برئاسة الجنرال المتقاعد جوزيف فوتيل بحضور المستشار الاعلامي لرئيس المجلس علي حمدان وتناول اللقاء تطورات الاوضاع في لبنان والمنطقة والتداعيات الناجمة عن مواصلة إسرائيل إعتداءاتها على لبنان وخرقها لبنود القرار 1701 وإتفاق وقف إطلاق النار.
عدوان مستمر
وإذا كانت معلومات قد تردّدت في الساعات الأخيرة عن إعادة تزخيم لجنة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، التي علّقت اجتماعاتها بعد طرح تشكيل اللجان الثلاث حول النقاط الخمس والأسرى والحدود البرية، وهو ما قد تتبدّى معالمه مع عودة رئيس اللجنة الجنرال الأميركي الجنرال جاسبر جيفيرز والمحادثات التي سيجريها في الأيام المقبلة مع المسؤولين في الدولة، إلّا أنّ مرجعاً كبيراً أبلغ إلى "الجمهورية" قوله إنّ "الكرة من الأساس هي في ملعب اللجنة، والتجربة معها منذ تشكيلها بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني الماضي لم تكن مشجّعة، بل على العكس، كانت غائبة كلياً عن العمل الجاد وفق منطق مهمّتها التي شُكِّلت على أساسها، في الوقت الذي تمعن فيه إسرائيل في اعتداءاتها وخروقاتها التي زادت عن ثلاثة آلاف خرق، ناهيك عن سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى جراءها (مصدر عسكري أكّد أنّ عدد الشهداء بلغ 153 شهيداً والجرحى 346)، ما وضع اللجنة من خلال أدائها في الأشهر التالية لاتفاق وقف إطلاق النار في خانة الاتهام بتجاهل الاعتداءات الإسرائيلية، حتى لا نقول باتهامها بتغطية هذه الاعتداءات وتبريرها".
ولفت المرجع عينه إلى "أنّنا، على رغم من اتفاق وقف إطلاق النار، لسنا أمام اعتداءات إسرائيلية هنا وهناك، بل ما زلنا أمام عدوان إسرائيلي مستمرّ على لبنان، يحظى بتغطية خارجية من الدول الكبرى (ملمّحاً بذلك إلى الأميركيِّين)". وأضاف: "لبنان نفّذ كل التزاماته في منطقة جنوب الليطاني، والجيش يقوم بواجباته بالتنسيق والتعاون مع قوات "اليونيفيل"، وبالتالي موقفه معروف وخلاصته وقف هذا العدوان. وأنوّه هنا إلى أنّ الموقف الفرنسي متفاعل إلى أقصى حدود الإيجابية مع لبنان، أمّا بالنسبة إلى الموقف الأميركي، فما زلنا ننتظر أن يبادر الأميركيّون إلى عمل جاد ضاغط على إسرائيل لوقف عدوانها. وتبعاً لذلك، لا أستطيع أن أؤكّد أو أنفي ما إذا كانت ملامح هذه الجدّية ستتبدّى مع عودة رئيس لجنة المراقبة، مع أنّي لا أملك حتى الآن ما يجعلني أميل إلى الإعتقاد بأنّ تبدّلاً ما سيحصل ويوقف الدوران في حلقة التجاهل وغضّ النظر عن ارتكابات إسرائيل".
"حزب الله": لن ننجرّ
في موازاة ذلك، "حزب الله" وكما ينقل مطلعون على موقفه لـ"الجمهورية"، يُدرك "أنّ إسرائيل باعتداءاتها المتواصلة تسعى إلى استدراجه إلى الحرب، إلّا أنّ الحزب لن ينجرّ إلى ما تستدرجه إسرائيل إليه، تاركاً للدولة اللبنانية أن توفي بما تعهّدت في سياق معالجتها الديبلوماسية للاعتداءات الإسرائيلية، مع التزامنا بمندرجات اتفاق وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 جنوبي الليطاني". ولفت المطلعون على موقف الحزب، إلى أنّه "ليس بصدد الدخول في سجالات حول سلاحه. والموقف الحاسم في هذا الشأن جرى التأكيد على ذلك عبر مسؤولي الحزب وفي مقدّمهم أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الذي حدّد في خطابه الأخير سقف الأولويات والثوابت".
وينقل هؤلاء من داخل الحزب أجواء تُفيد بأنّ "مرحلة التعافي قطعت شوطاً كبيراً، وستُعبّر عن نفسها في الوقت المناسب". كما ينقلون كلاماً مفاده: "الكلام عن هزيمة وما شاكل ذلك سهل جداً. صحيح لقد تعرّضنا إلى خسائر كبرى، خسرنا أميننا العام وقادة وكوادر، لكنّنا لم نضعف ولم ننتهِ، ولن ننتهي، خصومنا يُريدون ذلك، لكنّنا سنُحبطهم ونخيّب أملهم، وسنقول كلمتنا وموقفنا حول كل شيء في الوقت المناسب، وكل شيء في أوانه".
تخريب لبنان
في الموازاة، تتعدّد التكهّنات حول مرامي الإعتداءات، بين قائل بأنّ إسرائيل تريد أن تفرض قواعد اشتباك جديدة تقول فيها إنّها صاحبة الكلمة العليا وتتحكّم بكل المجريات في لبنان، وبين قائل إنّ نتنياهو يحاول أن يُشعل جبهة لبنان هروباً إلى الأمام من الأزمة السياسية التي تواجهه في الداخل الإسرائيلي، وبين قائل إنّه يحاول أن يُشوّش على المفاوضات الأميركية - الإيرانية، يرى خبير في الشأن الإسرائيلي رداً على سؤال لـ"الجمهورية"، أنّ كل هذه الفرضيات قد تكون صحيحة. إلّا أنّه يلفت إلى مسألة شديدة الخطورة ينبغي أن تنتبه إليها كل المستويات الرسمية والسياسية في لبنان، وتضع في حسبانها هدف إسرائيل بتخريب لبنان.
ولفت في هذا السياق، ما يرد في خلاصات بعض التقارير التي تعدّها مراكز استراتيجية إسرائيلية، ويكشف بعضها الإعلام الإسرائيلي، وفيها ما حرفيته: "إنّ على إسرائيل وكجزء من استراتيجيّتها، ألّا تعدم وسيلة لفرض وقائع جديدة في لبنان، سواء عبر الجيش الإسرائيلي، أو عبر سبل أخرى، كتشجيعها انتفاضة داخلية في لبنان ضدّ "حزب الله" وسلاحه، والمحاولة بصورة دائمة لدفع الأمور إلى صدام داخلي في لبنان ليس لإضعاف الحزب أكثر والحدّ من قدراته، بل لإنهائه والقضاء عليه".
ولفت الخبير عينه إلى "أنّ مطلب نزع سلاح "حزب الله" جوهري وثابت ولا رجوع عنه لدى الأميركيِّين، ليس فقط في جنوب الليطاني بل في كل لبنان. كما أنّه هدف دائم لدى إسرائيل، لكن حتى الآن لا توجد طريقة محدّدة لنزع هذا السلاح، وثمة يَقين لدى فرقاء لبنانيِّين وغير لبنانيِّين باستحالة سحب السلاح بالقوة، ما يعني أنّ المسألة تشكّل معضلة كبيرة وشديدة التعقيد".
البلديات
على صعيد الانتخابات البلدية والاختيارية، فعشية الجولة الأولى من هذه الانتخابات في دائرة المتن المقرّرة يوم الأحد المقبل في الرابع من أيار الجاري، أُطلقت غرفة العمليات المركزية الخاصة بالإنتخابات البلدية والإختيارية أمس الاثنين في وزارة الداخلية والبلديات في حضور رئيس الحكومة نواف سلام ووزير الداخلية أحمد الحجار الذي أعلن جهوزية الوزارة للاستحقاق البلدي، فيما أكّد رئيس الحكومة أنّ الانتخابات البلدية والإختيارية ستتمّ في موعدها المقرّر، وهي استحقاق دستوري وديموقراطي، وقد وفينا بهذا الوعد.
وإذ اعتبر "أنّ هذه الخطوة تعزّز العملية الديموقراطية في لبنان"، فإنّه دعا الشباب اللبناني إلى الترشح والمشاركة في الانتخابات البلدية والإختيارية، معتبراً أنّ هذه فرصة لهم للتأثير في الحياة السياسية. وأضاف: "الانتخابات البلدية هي بداية لتحقيق اللامركزية الإدارية الموسعة، وقد تعهّدنا في البيان الوزاري باستكمال تطبيق ما لم يُنفّذ في اتفاق الطائف". وأضاف أنّ الحكومة ستعكف بعد الانتخابات على دراسة مشاريع مختلفة تهدف إلى تعزيز دور البلديات وتحقيق اللامركزية في إدارة شؤون المواطنين.
=====