وطنية - ترأس رئيس أساقفة طرابلس وسائر الشمال للروم الملكيين الكاثوليك، المطران إدوار ضاهر، قداس عيد الفصح المجيد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في محلة الزاهرية – طرابلس، بمشاركة المونسنيور إلياس البستاني، والأبوين باسيليوس غفري ويوحنا الحاج، وحضور حشد كبير من المؤمنين الذين توافدوا لإحياء هذه المناسبة الروحية وسط أجواء من الإيمان والرجاء.
بعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى المطران ضاهر عظة عيد الفصح، استهلها بالمعايدة: "المسيح قام، حقًا قام. نبارك للبنانيين عامة، وللمسيحيين خاصة، حلول عيد الفصح المجيد، سائلين الله أن يعيده على الجميع بالخير والمحبة والسلام، وأن يعم السلام والأمان ربوع هذا الوطن الحبيب، وقال الرب قام... فلنقم معه!. في هذا اليوم المجيد، يرتفع نشيد واحد من أفواه المؤمنين في كل أرجاء الأرض: "المسيح قام! حقًا قام!"
اليوم، لا نحتفل فقط بخروج يسوع من القبر، بل نحتفل بخروجنا نحن من الخوف، من الموت، من العتمة. اليوم نعيد بالقيامة، لكننا نُدعَى لنعيشها، ونجسّدها في حياتنا. قيامة المسيح: رجاء لا يُهزم. القيامة ليست نهاية قصة، بل بداية عهد جديد. يسوع لم يَعُد فقط إلى الحياة، بل داس الموت بالموت، وأعطانا عربون الحياة الأبدية. لم يقم وحده، بل أقام معنا الرجاء، النور، والفرح الحقيقي. في زمنٍ يكثر فيه الموت من حولنا – حرب، تهجير، اضطهاد، يأس – قيامة المسيح تصرخ في وجه اليأس: "أنا هو الحياة". فرح القيامة... مسؤولية ورسالة. القيامة فرح، نعم، لكنها ليست فرحًا خاصًا نحتفظ به لأنفسنا. بل هي دعوة للمشاركة: كما هرعت مريم المجدلية إلى التلاميذ لتبشّرهم، نحن أيضًا مدعوون أن نكون شهودًا للقيامة. لا بكلامنا فقط، بل بأعمالنا، بخياراتنا، بأمانتنا وسط الألم. هل نعيش كمن قام مع المسيح؟ أم ما زلنا نقيم في قبور الخوف والحقد والانقسام؟ الرب القائم لا يبحث عن احتفالات، بل عن قلوب تقوم معه وتنقل قيامته إلى العالم. قيامة في قلب الشرق الجريح".
اضاف: "كم هو صعب أن نتكلم عن الفرح، وبيوتنا مهدّمة، وشعبنا يتألم، وكنائسنا تُقصف، وكرامتنا تُداس...ولكن هنا، في هذا الشرق المصلوب، قيامة المسيح تحمل معنا معنًى أعمق وأقوى. كل مسيحي باقٍ في أرضه، هو شهادة حيّة للقيامة. كل أم تربي أولادها على الإيمان رغم الفقر والخوف، هي مريم جديدة عند القبر. كل شاب يختار أن يغفر لا أن ينتقم، هو حجر يُدحرج عن قبر الإنسانية. قيامة توحّدنا... عيد يجمعنا. يا له من رجاء عظيم أن نحتفل سويًا، كنائس الشرق والغرب، في يوم واحد بعيد الفصح. قد نختلف في التقاويم، لكن قلب القيامة واحد، وإيماننا واحد، ورجاؤنا واحد. نصلي أن تكون وحدة العيد بداية وحدة القلوب، ووحدة الشهادة، ووحدة الكنيسة، لأن العالم اليوم لا يحتاج إلى كنائس منقسمة، بل إلى مؤمنين موحدين في المسيح الحي.".
وقال في معايدة من القلب: "في هذا العيد المجيد، أتوجه إليكم بأحر التهاني وأعمق الصلوات: المسيح قام! حقًا قام! قام ليقيمنا معه، قام ليقول لنا: لا تيأسوا... أنا غلبت العالم. لا تخافوا... أنا معكم إلى انقضاء الدهر. لا تستسلموا... فأنتم شهودي في هذا الشرق، نورٌ لا يُطفأ، وملحٌ لا يفسد".
وتوقف المطران ضاهر في عظته عند الأوضاع الراهنة في لبنان، معتبرًا أن "قيامة المسيح يجب أن تلهم قيامة لبنان، الذي يرزح تحت أثقال الأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية التي أثقلت كاهل شعبه، ودفعت بشبابه إلى الهجرة واليأس".
وقال: "نأمل أن يكون العهد الجديد والحكومة الجديدة بداية لمسار إصلاحي حقيقي يعيد ثقة الناس بالدولة، ويعيد الكرامة إلى المواطن اللبناني الذي يعاني من الفقر، والبطالة، وانعدام الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة".
وأضاف: "لبنان اليوم بحاجة إلى قيامة حقيقية، إلى محبة صادقة بين أبنائه، إلى قيادات تتحلى بروح الخدمة والتجرد، وقال"نأمل أن يكون خطاب القسم وكلمة رئيس الحكومة الجديدة دستورًا أخلاقيًا وإنسانيًا يحتذي به جميع المسؤولين في هذا الوطن الجريح. فاللبنانيون تعبوا من الوعود، ومن لغة الخطب الرنانة التي لا تترجم إلى أفعال. آن الأوان لأن يتحول الكلام إلى التزام، والتصريحات إلى خطط إنقاذ حقيقية تنتشل الشعب من الانهيار الشامل".
وشدد على أن "ما نحتاجه اليوم ليس المزيد من التجاذبات، بل رجالات دولة يؤمنون برسالة لبنان، ويتصرفون بمسؤولية تجاه الشعب، ويضعون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. على جميع المسؤولين أن يعتبروا خطاب القسم وكلمة رئيس الحكومة بداية جديدة، تُبنى على الشفافية، والمحاسبة، وخدمة الصالح العام، لا على المحاصصات والمصالح الفئوية".
وختم ضاهر: "من على منبر هذه الكنيسة، وفي هذا العيد المبارك، نرفع الصوت ونصلي كي تكون هذه المرحلة مفصلية في تاريخ لبنان، ويستفيق الضمير الوطني لدى كل مسؤول، وادعو إلى التمسك بالإيمان والرجاء رغم الصعوبات، كما انتصر النور على الظلمة في قيامة المسيح، نؤمن أن لبنان سينهض من أزماته بإرادة أبنائه وبنعمة الرب، ليعود وطنًا للسلام والعيش المشترك والكرامة..
بعد القداس تقبل ضاهر والاباء التهاني بالعيد من المشاركين في قاعة الكاتدرائية.
========= ل.خ