وطنية - ترأس الرئيس العامّ للرهبانية المارونية المريمية الأباتي إدمون رزق رتبة سجدة الصليب في دير سيّدة اللويزة -ذوق مصبح بحضور الاباء والكهنة وحشد من المؤمنين، والقى الاباتي رزق عظة جاء فيها :
" ماذا جئتم تنظرون؟!" أردتُ في سؤالي هذا أن أنطلقَ معكم في مشاهدة آلام هذا اليوم، يوم الجمعةِ العظيمة. وحين أقول "مشاهدة" أقصدُ أن نتأمّل معًا في آلام الصليب: آلامِ الـحُبِّ العظيم، الّذي ينسحقُ من أجلِ خلاصِ من يُحبُّهم. دخلَ يسوعُ أورشليمَ، وهو يعلمُ تمامَ المعرفة ما سيحلُّ به، ولكنّه لم يتراجع... لأنَّ مَن يحبُّهم هم أعظمُ بالنسبة إليهِ من كلِّ ما هو ممكنٌ أن يتحدّاه، وفداؤهم هو همُّهُ الأوّل، ولأجلِ هذا أتى إليهم، و"ماتَ عن كثيرين" (عب 9: 28) لنحيا جميعًا ونرثَ الملكوت.
" لا صورَةَ لَه ولا بَهاءَ فنَنظُرَ إِلَيه، ولا مَنظَرَ فنَشتَهِيَهُ" يقول النبي أشعيا. مَن خلَقَنا اللهُ على صورتِهِ، فقدَ جمالَ الخلقِ بأذيّةِ البشر. والسؤال هو: هل توقفت آلامُ يسوع على يومِ الجمعةِ العظيمةِ منذ ألفَي سنة؟".
أضاف: "اليومَ، أتـَينا نسجدُ لآلامِهِ الخلاصيّة، ننظرُ إليهِ "مُحْتَقَرًا وَمَخْذُولًا مِنَ النَّاسِ، رَجُلَ أَوْجَاعٍ وعارفًا بالألم ، ومِثلَ مَن يُستَرُ الوَجهُ عنه، مُزدَرًى فلَم نَعبَأْ بِه." (أش 53:3) ها نحنُ معَ مريمَ أمِّهِ، نسيرُ وراءَه في دربِ الجلجلة. ها نحنُ مع تلاميذِهِ نقفُ على حِدا، نخافُ ممّا نراه، ينكسرُ قلبُنا لسقوطِ مَن أكلْنا على مائدتِهِ وتعلَّمنا منهُ أسرارَ الإيمانِ وتقرّبنا بكلمتهِ من الله. ها نحنُ مع العذارى ننوحُ لأنَّ الربَّ صُلبَ ظُلمًا والخيرَ الّذي صنعَ، سُحِقَ تحتَ أقدامِ ناكري الجميلِ والمتعصِّبين للشريعةِ. ها نحنُ مع يوحنّا، على أقدامِ الصليب، والدموعُ تفيضُ من مآقينا، ننظرُ الـمُعلِّمَ الحبيبَ ونبكي على مصيرهِ على الصليب".
وسأل: "أيُعقلُ أن يكونَ هذا النصيبُ لربٍّ وإلهٍ جبّارٍ عجيب؟ أيُعقلُ أن يكونَ البشرُ بهذه القساوةِ وبهذه الأذيّةِ وبهذه المرارةِ والتسلُّطِ... ألم يبق في قلبِ البشرِ من رحمةٍ أو شفقةٍ أمامَ هذا المـُصيب؟
الّذي تغنّى باسمه "ابنَ البشر"، اليومَ يُسلِمُ روحَهُ على صليبٍ في ذلٍّ وتعنيفٍ وتحقيرٍ وانسحاقٍ وقهَر ... أسألُ من جديد: هل توقفّت آلامُ يسوع على يومِ الجمعةِ العظيمةِ فقط؟ ماذا جئتم تنظرون؟ في قلبِ هذه الـمُشاهدة، كلمةٌ يقرعُ صداها على مدى سنينَ ودهور. كلمةٌ تسكُبُ آخرَ رمقِ حياة وتصرخُ "إغفر لهم يا أبتي، لأنّهم لا يدرونَ ماذا يفعلون." وهذا هو البرهانُ الأعظم للحبِّ الأسمى! فالحُبُّ يعلّمُ ويتفانى في تربيةِ من يُحبّهم. الحُبُّ يسكبُ ذاتَهُ ليُغذّينا فننمو. الحُبُّ يغفرُ لأنّهُ يريدُ الخلاصَ لنا، فلا يحكم علينا ولا يدينُنا. فهل نقبلُ هذا الحـُبَّ ونتعلّمُ منه؟".
وتابع: "على الجلجلة، بينَ صوتِ النواحِ وأصواتِ السلاسلِ والمساميرِ والمطرقة تغرزها في يديّ الربّ ورجليه، وأنينُ وجعِ يسوع، ننتظرُ أن نسمعَ صوتَ الآب، ولكنّه صمَت! أتوجدُ كلمةٌ تُعبّرُ عن حزنٍ كبير أمام شراسةِ البشر؟ يسوعُ يصرخُ وصدى الصراخِ يتردّدُ حتّى يومِنا هذا: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟" وأمامَ هذه الفاجعة، نُصغي ولكنَّ اللهَ الآبَ لا يتكلّم! وهل يُعقلُ أن يصمُتَ اللهُ؟ ماتَ يسوع! فكيف يتكلّمُ الله والبشر قد قتلوا كلمتَهُ؟ ولكنَّ موتَ اللهِ حياةٌ للبشر! بعدَ أن شاهدنا حدثَ الجمعةِ العظيمة وذُقنا مرارتَهُ، هل نتركُهُ حدثًا تاريخيًّا أم نجعلُه حدثًا إيمانيًّا في حياتِنا، ونشهدُ له؟ نشهدُ للهِ في بيوتِنا، في مجتمعِنا، في لبنانِنا، فلا نقتلْ اللهَ ونقولُ أنّنا موجوعون لآلامِهِ".
وشدد على أن "موتَ اللهِ حياةٌ للبشر، إذا عرفنا كيف نموتُ معهُ لنحيا معه! نموتُ عن التصلّب بآرائنا لنحيا الصليبَ في محبّتِنا: في الخدمةِ، في الأخوّةِ، في الغفران! إخوتي الأحبّاء، لا تُسكِتوا اللهَ في حياتكم، بل دعوا كلمتَهُ تتكلّمُ فيكم!
لا "تنظروا فقط" حدثَ الجمعةِ العظيمة! آمِنوا بأنّه دربـُنا للقداسة. لا تخافوا الصليبَ، فبالرغمِ من شناعتِهِ، هو مسارُ القيامة!".
وختم الاباتي رزق: "لنُصل اليومَ من أجلِ الكنيسةِ الـمُضطهَدةِ في أربعةِ أقطارِ العالم، لنُصلّ من أجلِ المصلوبينَ في الأوجاعِ والآلام، لنُصلّ من أجلِ البعيدينَ عن الإيمان، ونطلبَ من الله أن ينيرَ كلَّ الظلماتِ في حياتِنا. ففي سرِّ الفداءِ جمالُ حُبِّ الله وقدرتهُ على شفاءِ البشر!".
============ ر.ع