وطنية – كتبت صحيفة "الجمهورية": بعد جرعة التعيينات العسكرية والأمنية التي أُنجزت قبل يومَين، تدخل الحكومة في استراحة قصيرة قبل شروعها في تقديم الجرعات الأخرى من التعيينات الإدارية التي تتصدّرها أولوية تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان لم يُحسَم اسمه حتى الآن. وفي موازاة ذلك، وإذا ما صدقت وعود أهل الحكومة، يُنتظر أن يشهد الأداء الحكومي تزخيماً ملحوظاً في الأيام المقبلة في اتجاه الملفات الأكثر استعجالاً، وضرورة حسمها وإنجازها بصورة سريعة، ولاسيما المرتبطة بإعادة الإعمار، وبالملف المالي والاقتصادي، والمحادثات التي وصفت بالإيجابية والواعدة مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. بالتوازي مع التحضير لورشة تشريعية قريبة، عبر إحالة مجموعة من مشاريع القوانين التي تعتبرها ضرورية وملحّة، كمشروع تخفيض بعض الرسوم الواردة في الموازنة إلى مجلس النواب، الذي يدخل اعتباراً من يوم الثلاثاء في 18 آذار الجاري في عقده العادي الأول، الذي يستمر حتى آخر أيار المقبل.
النقاط الخمس
على الخط السياسي، يتمَوضع ملف الحدود الجنوبية في صدارة الأولويات والمتابعات الرئاسية والحكوميّة، ورئيس الجمهورية جوزاف عون يؤكّد أنّه لن يألو جهداً مع كلّ الجهات الإقليمية والدولية للضغط على إسرائيل للانسحاب من النقاط الخمس، وإلزامها بالتزام اتفاق وقف إطلاق النار وبالقرار 1701، فيما كشفت معلومات موثوقة لـ"الجمهورية" عن أنّ ملف النقاط الخمس سيشهد تحريكاً جدّياً في غضون أيام قليلة.
وبحسب المعلومات الموثوقة، فإنّ بريطانيا تحضّر لتقديم اقتراح يُحدّد صيغة حل لهذه النقاط. وأكّدت مصادر المعلومات أنّ هذا الاقتراح البريطاني منسّق بالتأكيد مع الأميركيِّين، إلّا أنّ المصادر لم تُحدِّد ماهية التسوية التي سيقترحها البريطانيّون، "أكان الاقتراح البريطاني يرمي إلى تجديد اقتراح نشر "اليونيفيل" والجيش اللبناني في تلك النقاط، أو نشر قوات دولية أي "اليونيفيل" فقط، أو قوات دولية متعدّدة الجنسيات في صدارتها الأميركيّون والبريطانيّون".
وعمّا دفع البريطانيِّين إلى تقديم صيغة حل للنقاط الخمس، قالت المصادر: "الأمر الأكثر ترجيحاً هو أنّ النقاط الخمس تُشكّل فتائل توتير دائمة قابلة للاشتعال وإعادة أجواء الحرب في أي لحظة، وبالتالي لا توفّر الأمن لإسرائيل، ولا للمستوطنين الذين لا يزالون يرفضون العودة إلى مستوطنات الشمال".
اجتماع أمني دولي
على خط موازٍ، علمت "الجمهورية" من مصادر موثوقة، أنّ تحضيرات متسارعة على أكثر من خط دولي لعقد مؤتمر دولي في لبنان. وكشفت المصادر "أنّ مجموعة الدول المصنّفة من ضمن "مجموعة أصدقاء لبنان"، التي تنعقد دورياً في بعض الدول الصديقة للبنان، انتخبت لبنان موقعاً لاجتماعها المقبل، والذي سيُعقد على مستوى ضباط عسكريِّين كبار من تلك الدول في المدى المنظور القريب، الغاية الأساس منه تأكيد الدعم لسيادة لبنان واستقلاله، وتوفير المساعدات الضرورية والإمكانات للجيش اللبناني ليتمكن من أداء الدور المطلوب في حماية الأمن والإسقرار في لبنان، ولاسيما في المهمّات المناطة به على الحدود".
جولة أميركية
في سياق متصل، جال وفد ديبلوماسي وعسكري رفيع من السفارة الأميركية في بيروت في القطاع الشرقي على الحدود، برفقة قائد اللواء السابع في الجيش العميد طوني فارس. وتخلّل الجولة الاطّلاع على الإجراءات التي يتخذها الجيش اللبناني في البلدات الحدودية، كما عاينوا حجم الأضرار التي خلّفها لجيش الإسرائيلي في معظم البلدات في القطاع خلال العدوان على لبنان.
وتزامنت جولة الوفد مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على المناطق اللبنانية وخروقاتها لاتفاق وقف إطلاق النار. فيما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أنّ "الجيش الإسرائيلي سيبقى في 5 مواقع في جنوب لبنان إلى أجل غير مسمّى"، لحماية سكان الشمال، بغضّ النظر عن المفاوضات المتعلقة بالنقاط الـ13 المتنازع عليها على الحدود. وطلب كاتس من الجيش الإسرائيلي تحصين مواقعه في النقاط الخمس والاستعداد للبقاء هناك لفترة طويلة.
بلاسخارت في الخارجية
ملف النقاط الخمس إلى جانب ملفات أخرى مرتبطة بالوضع في جنوب لبنان، عرضتها المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس- بلاسخارت في وزارة الخارجية أمس، عشية زيارتها إلى نيويورك لتقديم إحاطة دورية إلى مجلس الأمن بشأن تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701. وقد وضعت بلاسخارت الوزير رجّي في أجواء زيارتها إلى إسرائيل، حيث ناقشت تنفيذ إعلان وقف الأعمال العدائية والقرار 1701. وأعاد وزير الخارجية التشديد على ضرورة الضغط على إسرائيل لتنفيذ التزاماتها بموجب إعلان وقف الأعمال العدائية، والقرار 1701، والانسحاب بشكل كامل وغير مشروط من كل الأراضي اللبنانية التي تحتلها، ووقف اعتداءاتها وانتهاكاتها للسيادة اللبنانية، والإفراج عن الأسرى اللبنانيِّين لديها.
مليون ونصف نازح
وإذا كان ملف الاحتلال الإسرائيلي للنقاط الخمس، بالإضافة إلى عرقلة ملف المساعدات الخارجية لإعادة إعمار ما هدّمه العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، يُشكّل عامل ضغط ثقيل على لبنان، إلّا أنّ ملفاً آخر لا يقلّ ثقلاً، أخذ يتفاعل بشكل كبير وخطير في الفترة الأخيرة، ويتعلق بملف النازحين السوريين في لبنان.
وعلمت "الجمهورية" من مصادر موثوقة واسعة الاطلاع، أنّ الأحداث الأخيرة في سوريا التي تدرّجت بشكل خطير من الإطاحة بنظام بشار الأسد، رافقتها عمليات نزوح كثيفة من المناطق السورية في اتجاه لبنان، كانت أكثرها كثافة موجة النزوح التي رافقت أحداث الساحل السوري وما رافقها من مجازر طائفية ومذهبية قبل أيام قليلة، الأمر الذي زاد عدد النازحين السوريِّين الموجودين في لبنان بشكل خطير.
وبحسب المصادر الموثوقة، فإنّ عدد النازحين وحتى يوم أمس، بلغ نصف عدد سكان لبنان تقريباً، أي أنّ العدد المسجّل بصورة أكيدة للنازحين السوريِّين يبلغ مليونَين و450 ألف نازح.
وسألت "الجمهورية" مسؤولاً رفيعاً حَول كيفية معالجة هذا الملف، وخصوصاً الأعداد المتزايدة من النازحين في الفترة الأخيرة، فأجاب: "قبل السؤال عن كيفية معالجة هذا الملف، علينا أن نسأل لماذا لا يزالون موجودين في لبنان أصلاً؟ في الماضي كانت ذريعة بقائهم هي الخوف من نظام الأسد، الآن طار الأسد وانتفت الذريعة. من البداية هذا الملف شكّل عامل ابتزاز للبنان، وخصوصاً من الذين يُروّجون للعودة الطوعية".
واستدرك قائلاً: "أخشى ما أخشاه أن يتحوّل هذا الملف إلى مصدر توتير خطير، سواء بين النازحين السوريِّين أنفسهم، وكذلك بين النازحين واللبنانيِّين على ما حصل ويحصل في العديد من المناطق. وما حصل في الساحل السوري أخيراً، لا شيء يضمن عدم تكراره مع هذا الخليط الكبير من المجموعات المتطرّفة التي نشأت على أنقاض النظام السابق، ما يُبقي الخطر قائماً، من تمدّده إلى حدودنا الشرقية والشمالية، ومن إعادة تحريك لما تسمّى الخلايا النائمة لبعض المجموعات للعبث بالأمن. ومعلوم أنّه قد ألقيَ القبض على مجموعة إرهابية كانت بصدد التحضير لإنشاء إمارة في منطقة الشمال".
بري
وقد تطرّق رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى ملف النازحين السوريِّين خلال استقباله وفد جمعية التخصّص والتوجيه العلمي، وأكّد: "لا يجوز أن يبقى هذا الملف على النحو القائم حالياً. لقد آن الأوان وبعد التحوّلات التي حصلت في سوريا أن يقارب المجتمع الدولي ومنظماته هذا الملف بأسرع وقت ممكن بما يحفظ للبنان إستقراره ويُعيد النازحين إلى وطنهم الأم سوريا".
ومن جهة ثانية، أكّد بري "أنّ لبنان لن يقبل تحت أي ظرف من الظروف، ومهما بلغت الضغوطات، التخلّي عن أي شبر من أرضه أو ذرة من ترابه أو حق من حقوقه السيادية، وسيلجأ إلى كل الوسائل المتاحة لحماية هذه الحقوق وصَونها وتحرير ما تبقّى من أرضنا من الإحتلال الإسرائيلي".
وأضاف بري: "إنّ حفظ لبنان من حفظ الجنوب، وحفظه هو مسؤولية وطنية جامعة، ويجب أن تكون نقطة إجماع ووحدة وليس نقطة افتراق. صدّقوني إذا كنّا موحّدين نستطيع تجاوز أيّ تحدّ يمكن أن يواجه لبنان، بالوحدة انتصرنا وبالإنقسام والتشرذم عانى لبنان ما عاناه من وَيلات ومخاطر هدّدت وطننا بأساس وجوده، واليوم أكثر من أي وقت مضى الجميع مدعو إلى ترسيخ مناخات الوحدة وإستحضار كل العناوين التي تقرّب بين اللبنانيِّين والإبتعاد عن كل ما يباعد بينهم".
وأمل بري أن "يتمّ التوافق على إعتماد آلية موحّدة لإنجاز التعيينات الإدارية وفقاً لمعايير الكفاءة والنزاهة. وهذا ما نأمل التوصّل إليه في القريب العاجل"، مؤكّداً بأنّ الإطمئنان والثقة هي في الداخل اللبناني وبيَد اللبنانيِّين، مشيراً إلى أنّ وتيرة العمل القائمة حالياً، سواء في إنجاز التعيينات التي بدأتها الحكومة وإعادة النبض للإدارة العامة، حتماً ستؤدّي إلى سلوك لبنان درب الخروج من أزماته.
سلام
من جهته، وخلال ترؤسه اجتماعاً موسّعاً في السراي الحكومي حول شبكات الأمان الإجتماعي في لبنان بحضور وزراء ونواب وسفراء عرب وأجانب، أكّد رئيس الحكومة نواف سلام أنّ "الإجراءات الاجتماعية الطموحة، وإن كانت حاسمة، تحتاج إلى دعم كبير في ظل سعينا لإجراء إصلاحات اقتصادية، قد تكون صعبة على بعض شرائح شعبنا. ونحن ملتزمون بضمان أقصى درجات الشفافية والمساءلة في برامجنا. وأودّ التأكيد على أنّ النمو يجب أن يرتكز على مبادئ راسخة للعدالة الاجتماعية والشمول. وكما سبق وقلتُ، فإنّ التزامي تجاه اللبنانيِّين هو العمل الجاد على وضع جميع جهود الإصلاح على المسار الصحيح، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق النمو والازدهار اللذين يستحقهما وطننا العزيز".
لقاء سنّي
في موازاة ذلك، برز أمس لقاء سنّي موسّع، عُقِدَ في دارة الرئيس نجيب ميقاتي في طرابلس، حضره رؤساء حكومات سابقون، نواب حاليون، نواب سابقون من تيار المستقبل ووزراء سابقون، وخَلُص إلى بيان استنكر فيه المجتمعون وأدانوا أشدّ الإدانة الأحداث الدامية التي شهدتها مناطق وقرى الساحل السوري، وما أدّت إليه من تجاوزات يجب ضبطها فوراً. وأثنوا على توجّهات الحكومة السورية وإجراءاتها، مع التشديد على جمع واحتضان مختلف مكوّنات سوريا الوطنية، والحفاظ على وحدة وكامل التراب السوري، والعمل على استتباب الأمن وإحلال الأمان وبسط سلطة الدولة السورية الحصرية والكاملة على كل أراضيها ومرافقها.
كما ثمّنوا إعلان الحكومة السورية العمل على إنجاز التحقيق المستقل في ما جرى، ومحاسبة المسؤولين والمتورّطين في أعمال قتل المدنيِّين الأبرياء والعزّل واتخاذ الإجراءات الصارمة لمنع هكذا أعمال إجرامية مشينة وحماية المدنيِّين من كل أطياف الشعب السوري وتوجّهاته، وتسهيل عودة النازحين، بعد أن سقط مفهوم اللجوء المعرّف بإعلان جنيف.
وتوجّه المجتمعون إلى الأشقاء السوريِّين، وإلى جميع اللبنانيِّين، منبّهين ومحذّرين من مغبة وخطورة التورّط من جديد في مواجهات أهلية عنفية، ودعوا الدولة اللبنانية إلى التواصل مع الهيئات والمنظمات الدولية المعنية، إلى متابعة الأوضاع المستجدة في مناطق شمال لبنان الحدودية بفعل التدفّق المستجد للنازحين السوريِّين بسبب الأحداث الجارية في سوريا. وإذْ رفضوا فرض التطبيع، شدّدوا على وجوب الاهتمام أمنياً بطرابلس.
====