وطنية- نعت الحركة الثقافية انطلياس الاباتي أنطوان ضو، ووجهت له تحية في يوم رحيله وقالت في بيان: "بغياب الأباتي أنطوان ضو، تخسر الرهبانية الأنطونية والحركة الثقافية – أنطلياس، والناشطون في مجال الحوار الإسلامي- المسيحي، وجماعة المؤرّخين في لبنان قامة استثنائية قلَّ نظيرها. تولّى الراحل مسؤوليات مختلفة في الرهبانية الأنطونية، وكان يعي جيداً دور هذه الجماعة في التقارب بين الموارنة وغيرهم من الطوائف المسيحية والإسلامية. ترأس أديار الرهبنة في أنطلياس، وبعبدا، وإهدن- زغرتا، وعوكر، وقرنة الحمراء، وعجلتون، والميناء- طرابلس، وشملان، وفي كل دير حلَّ فيه كان نموذج الراهب الملتزم بالقيم المسيحية، وتالياً كان عاملاً لخدمة الإنسان، كلّ إنسان، على الصعد كافة. وعندما تمَّ تفجير دير عوكر استطاع الآباتي ضو أن ينجو من محاولة الإغتيال المجرمة".
واضاف البيان:"بين العامين 1993 و 1999، ترأَّس الحركة الثقافية-أنطلياس، بحكم رئاسته للدير. وقد اعتبر أن الدير هو عاميّة دائمة ومتجدّدة، ومنارة حوار ومحبة. والحركة الثقافية فيه، هي حركة ثقافة الحوار الديمقراطي بامتياز في لبنان والعالم العربي، كما هي جزء من ثقافة العولمة، ورائدة الحوار فيها. لقد فهم الأباتي جوهر الحركة الثقافية، فاعتبرها الطريق الرحب إلى التغيير السلمي، ورأى أنَّ لا تغيير إلاّ بثقافة التغيير العقلاني الديمقراطي، من خلال احترام القيم الإنسانية والحضارية والثقافية والعلمية والمسيحية والإسلامية، والعمل من أجل وقف العنف المميت في شرقنا وتحقيق التنمية الإنسانية الشاملة".
وتابع:"والأباتي من أكثر المؤمنين بالحوار عموماً، وبالحوار المسيحي- الإسلامي. فقد اعتبر أن الحوار مرادف للمحبّة: محبّة الله ومحبّة الإنسان، كلّ إنسان، وصولاً إلى محبّة الخصوم. أما المحبّة المتبادلة بين المسيحيّين والمسلمين، فهي أولويّة وأسمى الفضائل والمقدّسات. الحوار هو ثقافة وعلم وأدب وفنّ ولاهوت وفقه وتربية وتواصل وإعلام. إنه لغة العالم، ومسعى حسَن ونبيل، للتعرّف على الآخر، الذي هو إنسان له كرامته وحقوقه وحريّـاته وشخصيّته وفكره ودينه، ومن الواجب احترامه والعيش معه بأمان وسلام، علماً أن لا أحد مرفوض أو مستبعد من الحوار، ولا محرّمات في الحوار إطلاقاً. لقد اعتبر الآباتي الحوار دعوة إلهية لجميع الناس، وحاجة ضرورية للإنسان، ورسالة صعبة إنما غير مستحيلة. انه خيار حر، وثقافة تتطلّب معرفة الذات والآخرين معرفة حقيقية، وهو أيضاً تفكّر وبحث وفقه ومقاربات لتسوية الأمور الإفتراقية. إنه مسؤولية يجب تحمّلها بشجاعة ووعي والتزام، من أجل إزالة سوء الفهم، وتنقية الذاكرة، رفض القطيعة التي تدمّر البشر".
واضاف البيان:"كما يعتبر راحلنا أن المواطنة هي جزء من الحوار، ومفهوم جديد للعلاقة بين الناس، إذ تعترف بقدسيّة كرامة الإنسان وحقوقه وحريّـاته، وتدعو إلى الإنتماء للوطن والإلتزام بالخير العام. والمواطنة هي التي تعتبر حقوق الإنسان كلّها مقدسة، باعتبار الإنسان كاملاً روحاً وجسداُ، فرداً وجماعة، وخدمة الإنسان، كلّ إنسان وكل المجتمع والتضامن معه والدفاع عنه. والمواطنة هي التي تعمل على تحرير الإنسان من كلّ تمييز عنصري وثقافي وديني وسياسي واجتماعي وجنسي وعرقي. كما أنها تسعى جاهدةً من أجل المساواة المكلفة بين المواطنين في الحقوق والواجبات والولاء للوطن وخدمته ومحبته. وتلك المواطنة تناضل في سبيل الدولة الديمقراطية المعاصرة. هكذا فهم الأباتي العيش الإسلامي- المسيحي المشترك عهداً وميثاقاً والتزاماً بالمشاركة بين المكوّنات المختلفة. وهذا التنوّع يجب الإعتراف به وحسن إدارته بالحوار الدائم. لا بل أن العيش المشترك هو جزء أساسي من تاريخنا الحضاري وحياتنا اليومية، إنه موضوع اهتمامنا وتفكيرنا ورسالتنا. وهو صيغة إنسانيّة مسيحيّة إسلاميّة راقية لا يجوز التخلّي عنها إطلاقاً. وهو يعتبر أن المسيحيّين في الشرق هم جزء لا ينفصل عن الهويّة الحضاريّة للمسلمين، كما أن المسلمين في الشرق هم جزء لا ينفصل عن الهويّة الحضاريّة للمسيحيّين، ومن هذا المنطلق فنحن مسؤولون بعضنا عن بعض أمام الله والتاريخ. وللمسيحيّين العرب دور في التقريب بين الشرق والغرب، وبين المسيحية والإسلام، لأنها من جوهر رسالتهم. وهو يدعو إلى تحويل الصراع إلى تعاون إيجابي مبني على الإحترام المتبادل. فالإسلام ليس العدو بل هو أحد أطراف الحوار في بناء الحضارة الإنسانية. كما أن المسيحيّة في الغرب ليست عدواً بل هي طرف أساسي لا بدّ منه لبناء عالم جديد ويرفض مفكّرنا التطرّف الإلغائي الإرهابي، كما يرفض الحركات السياسية والثقافية والدينية المتشدّدة. واستطراداً، كل فكر يؤدّي إلى الإنقسام والتقسيم والفتن كما هو حاصل في منطقتنا".
وختم:"إن التزام راحلنا بجوهر الحوار المسيحي-االإسلامي لم يكن مسألة نظرية، بل كان ممارسة يوميّة طبّقها في اجتماعاته ولقاءاته في المحافل والأندية. وليس من باب الصدفة أن يكون أمين سرّ اللجنة الأسقفية للحوار المسيحي-الإسلامي في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان منذ تأسيسها عام 1992. وكم نحن بحاجة إلى أفكاره في هذه الأيام الصعبة التي يمرّ بها وطننا لبنان ومشرقنا العربي عموماً. والأباتي أنطوان ضو المؤرّخ يمتلك واحداً من أغنى المحفوظات (الأرشيفات) الشخصيّة في لبنان، وقد ألّفَ أكثر من أربعين كتاباً وترك مئات المقالات في كبريات الصحف، والأبحاث العلمية في مختلف المجلات المتخصّصة. كان مرجعاً في تاريخ الموارنة الديني، وقد ترك لنا عشرات المقالات والمؤلَّفات عن أغلب البطاركة والمطارنة البارزين والنخب الفكرية عندهم. وله العديد من المخطوطات، مع العلم أنه يحمل شهادات عالية في اللاهوت والفلسفة والأثار المسيحية. ودكتوراه من جامعة توما الأكويني- روما. وقد علَّم التاريخ في أكثر من جامعة... تحيّة له في يوم رحيله".
=============