تحقيق عادل حاموش
وطنية - مضت أشهر قليلة على نيل حكومة نواف سلام الثقة للبدء بمشاريع إصلاحية اقتصادية مالية، ونقدية لرفع لبنان من قعر الركود ومن حفرة الانهيار إلى سكة النمو وطريق الازدهار والتعافي لترسيخ الثقة الداخلية والخارجية مرة أخرى بلبنان واقتصاده ومكانته كحلقة وصل لا غنى عنها بين الشرق والغرب.
الا أن أي محاولة جدية وعلمية لدفع الاقتصاد اللبناني قدماً نحو الأمام وتسلقه سلم التعافي، لا بد إلا أن ترتكز على مراجعة مفصلة ودقيقة لهذا الاقتصاد بكافة قطاعاته وأنشطته إن كان في ماضيه وحاضره وحتى في مستقبله الموعود المبني على الليبرالية الرأسمالية المرتكزة على تحفيز المبادرة الفردية وتشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية لبناء مستقبل واعد للبنان واللبنانيين، الذين عانوا سنوات طويلة من الأزمات المالية والاقتصادية التي أدت إلى تدهور المستوى المعيشي الكريم ورفع مستوى البطالة إلى أكثر من ٦٠ في المئة بين الشباب وإلى رفع نسبة الفقر إلى أكثر من 80 في المئة استنادا إلى تقارير المؤسسات الدولية والأكاديمية المحلية والعالمية.
وفي هذا السياق، التقت "الوكالة الوطنية للاعلام" الخبير الاقتصادي والاكاديمي البروفسور بسام همدر لإلقاء الضوء على أهم المشاكل وأجدى الحلول للنهوض بالاقتصاد اللبناني ورفع مستوى الثقة بلبنان وتحفيز النمو ومعالجة البطالة، ورفع المستوى المعيشي لكل لبناني إلى الدرجات العالية، التي تضمن للبنان ولمواطنيه العيش الكريم ، وتضمن أيضا خلق فرص عمل لشبابه حتى تقف حركة مغادرة الأدمغة اللبنانية إلى الخارج والاستفادة منها محليا لترسيخ الازدهار والتقدم.
استهل همدر حديثه بتعريف الاقتصاد اللبناني، وهو " اقتصاد حر، يتبع فلسفة السوق الحرة ويشجع المبادرة الفردية ويعطي هامشا كبيرا للقطاع الخاص ومبادراته في تنمية الاقتصاد ورفع المستوى المعيشي في لبنان. يساهم القطاع الخاص بما لا يقل عن 75% من نشاط الاقتصاد الكلي في لبنان وهذا يعتبر مؤشرًا جيدًا لجذب الاستثمارات الخارجية حيث الفرص كبيرة جدا ومستويات الربح والمنافع الاقتصادية تعتبر من الأعلى في المنطقة إذا ما انسحب العدو الإسرائيلي من كل الأراضي اللبنانية واستقر الوضع الأمني والسياسي في البلد".
وعرض همدر للقطاعات الاقتصادية في لبنان:
- القطاع الزراعي: يشكل القطاع الزراعي اهمية بارزة في الاقتصاد اللبناني عمومًا والاقتصاد الريفي خصوصًا حيث بلغت نسبة العاملين فيه في الستينيات من القرن الماضي نحو 40% من مجمل القوى العاملة، وقد ساهم في ما يقارب 12% من الدخل المحلي العام في تلك الحقبة حتى غدا لبنان بستان الشرق وحديقة المنطقة الجميلة، ولكن لم تدم هذه الفترة طويلا حيث بدأ الاهتمام بالقطاع الزراعي يتهاوى وتقدم قطاع الخدمات والسياحة على حساب القطاع الزراعي، وكان ذلك سهل اعتبارات عدة نوردها كما يلي:
1. كان القطاع الزراعي في شكله الأكبر قطاع اهتمام كبير عند فئة لبنانية معينة، حيث هناك أكبر نسبة من الأراضي الزراعية في مناطق محافظات هذه الفئة كالآتي:
- البقاع يشكل 42% من مساحة لبنان المزروعة.
- النبطية تشكل نحو 10 % من مساحة لبنان المزروعة.
- الجنوب يشكل نحو 12% من مساحة لبنان المزروعة .
المجموع 64% من مساحة لبنان المزروعة تقع في مناطق هذه الفئة وكانت الحكومات اللبنانية في الحقبة السابقة تعتبر اي تنمية لهذا القطاع تنمية لفئة معينة ورفع المستوى المعيشي فيها. فلم تقم تلك الحكومات بأي مبادرات جدية للمحافظة على هذا القطاع الذي كان يؤثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة على أكثر من مليوني لبناني. فلم تفعّل اي سياسة جدية لتنمية هذا القطاع وتطوره فترك القطاع ليتهاوى ويضمحل حتى يومنا. حيث لا تشكل الزراعة اكثر من 4% من القوى العاملة و 3% من الناتج المحلي العام. إن اهمال هذا القطاع الحقيقي وتركه ليتهاوى هو بمثابة اضعاف لكل الاقتصاد اللبناني . ان علم التنمية الاقتصادية يركز على القطاع الزراعي وبخاصة في الدول النامية مثل لبنان حيث القوى العاملة في هذا القطاع تكون عادة كبيرة والمساهمة في الاقتصاد العام تكون ايضا مرتفعة. ان نجاح الثوره الصناعية في شق كبير منها اعتمد على القطاع الزراعي القوي آنذاك الذي رفد القطاع الصناعي بدعم مادي أدى الى تطوره واستدامته.
2- فلسفة الحكومات اللبنانية التي تعتبر القطاع الزراعي قطاع ربح وخسارة لا قطاع حياة. ان الاتحاد الاوروبي يقدم نحو 60 بليون دولار اميركي للقطاع الزراعي سنويا لتطويره والمحافظة عليه بالإضافة الى ذلك فإن الولايات المتحدة الاميركية تقدم اكثر من 10 بلايين دولار سنويًا للقطاع الزراعي، بينما في لبنان لا تتجاوز حصة القطاع الزراعي من الموازنة العامة الـ 1% ، وفي دول الجوار كمصر، الاردن، تونس، والجزائر تتجاوز حصة الزراعة في معدلها الوسطي اكثر من 10% من موازنة الحكومة العامة، مما يعكس مدى اهتمام هذه الدول بالقطاع الزراعي.
3- تقدم قطاع السياحة والخدمات في لبنان ليس فقط على حساب الزراعة بل ايضا على حساب القطاع الصناعي إذ بلغت نسبة قطاع السياحة والخدمات نحو 87% من الناتج المحلي اللبناني وقد أصبح القطاع المهيمن على فلسفة السياسات الاقتصادية والمحرك الاساسي للقطاع الاقتصادي الكلي والاقتصاد اللبناني عمومًا".
أضاف همدر: "لقد ادى الاهتمام بهذا القطاع الى اهمال باقي القطاعات الاقتصادية الحقيقية في لبنان، وتشعب عن ذلك الاقتصاد الريعي بقوة وفكرة الربح السريع التي ادت الى كوارث في الاقتصاد اللبناني. ان الاهتمام بقطاع السياحة والخدمات مطلوب وضروري ولكن يجب الاهتمام بالقطاعات الاقتصادية الحقيقية الاخرى كالزراعة والصناعة وصناعات القيمة المضافة".
ولفت إلى أن "قطاع الخدمات هو قطاع هش ومعرّض للانهيار عند اول ازمة أمنية أو سياسية أو ما شابه. ان قطاعي الزراعة والصناعة أخف هشاشة وأكثر قوة في ظل الأزمات التي يعيشها أي بلد، على سبيل المثال: عندما بدأت الازمة في يوغسلافيا، كان هناك مصنع سيارات يوغو(Yugo) وكانت هذه السيارة تصدّر الى الولايات المتحدة من عام 1984 الى عام 1990. لقد صمد هذا المصنع سنوات عدة برغم الازمة اليوغسلافية بينما توقف قطاع السياحة والخدمات بعد ايام قليلة من بدء الازمة. والجدير بالذكر ان المصنع كان لا يزال يعمل الى حد ما حتى دمر بالكامل من قوات الناتو عام 1995".
القطاع الصناعي
وعن القطاع الصناعي، قال همدر:" يساهم القطاع الصناعي في لبنان بنسبة 10% من الناتج المحلي ويستخدم نحو 25% من القوة العاملة . بينما كان هذا القطاع مزدهرا ومتقدما كان يساهم في الماضي باكثر من 18% من الناتج المحلي العام، تعاقبت الازمات السياسية والامنية في لبنان وادت الى خسارة القطاع الصناعي بريقه وتقدمه حتى غدا قطاعا ضعيفا منهكا بعدما كان أحد الاعمدة الاساسية في الاقتصاد الكلي للبلد".
وأكد أن "أهم الصناعات اللبنانية هي المنسوجات، المواد الغذائية ، الاسمنت ، السيراميك ،الخشب ، ومنتوجات الخشب، الادوية، البلاستيك ،صناعة الجلود، صناعة الورق والكرتون والطباع، وصناعة المجوهرات والاحجار الكريمة. وقد ازدهرت صناعة المجوهرات حتى اصبحت من اهم الصناعات التي تصدّر الى دول عدة في الخليج العربي واوروبا".
القطاع السياحي
وعن القطاع السياحي، أشار همدر الى ان " السياحة في لبنان تعد احد الاعمدة الاساسية للاقتصاد اللبناني حيث تؤمن فرص عمل لكثر من اللبنانيين، وكان لبنان يسمى سويسرا الشرق ومقصدا للسياح العرب والاجانب لما فيه من عوامل جذب سياحي وخبرة كبيرة في تقديم افضل الخدمات في المجالات السياحية الترفيهية، السياحية الصحية ، السياحية البيئية، وغيرها. في الماضي كان القطاع السياحي يساهم باكثر من 20% من الناتج المحلي اما اليوم وبعد الازمات التي توالت على لبنان انخفضت مساهمة هذا القطاع الى اقل من 7% من الناتج المحلي".
أضاف:" ان القطاع السياحي هو قطاع حساس وهش في تركيبته ويتاثر بشكل كبير بالوضع الامني والسياسي في البلد”.
وقال :"ان تطور هذا القطاع مهم رغم هشاشة السياحة وتأثرها بعوامل الاستقرار الداخلي والخارجي، اضافة الى مساهمة هذا القطاع بتوصيف اليد العاملة اللبنانية ،حيث قدرت بعض الدراسات قدرة هذا القطاع في الاحوال الطبيعية على توظيف نحو 300 ألف لبناني. ان اهمية القطاع السياحي لا تبرر البتة اهمال القطاعات الحقيقية الاخرى كالزراعة والصناعة حيث ان الاقتصاد جسم متكامل في نجاحه يحتاج الى تطوير وتوسيع كل القطاعات الاقتصادية الاخرى".
قطاع الغاز والنفط الموعود
وعن قطاع الغاز والنفط الموعود، قال:"يعتمد لبنان بشكل كبير على منتجات الطاقة المستوردة ما يشكل عبئا على الاقتصاد وهدرا للاحتياطات بالعملة الاجنبية. إن رحلة البحث عن النفط في لبنان بدأت في السنوات الاولى للانتداب الفرنسي عام 1930 ، فعلى مدى أكثر من 20 عاما عمل فريق فرنسي على تنظيم خريطة جيولوجية للبنان للاضاءة على إمكان وجود نفط وثروة بترولية، وكانت النتائج ايجابية بإمكان وجود نفط في لبنان".
تابع: "بعد ذلك قامت شركة المانية بالبحث عن النفط في بلدة عدلون في الفترة ما بين 1961- 1960. وفي عام 1972 قامت الجامعة الاميركية بدراسة واشارت الى امكان وجود نفط في لبنان، واضافة الى ذلك وضع العالم غسان قانصو دراسات عدة اكد فيها وجود كميات كبيرة من النفط في البر والبحر اللبناني لا سيما في الشمال اللبناني بين البترون وطرابلس. بعد ذلك، تحديدا بعد الحرب اللبنانية اجريت عدة محاولات وقسّم لبنان الى بلوكات من الشمال الى الجنوب، وقامت الدولة باستدراج عروض من شركات نفط عالمية لتقوم بمسح جيولوجي وتحدد مناطق وجود الثروة الغازية والنفطية. واكدت عدة دراسات حديثة قامت بها شركات عالمية بإمكان وجود النفط والغاز بكميات كبيرة في لبنان. ان النفط والغاز هي ثروات للاجيال القادمة ولنهوض لبنان من ازماته الاقتصادية والمالية العميقة، لذا نطرح هنا كيفية ادارة الصندوق السيادي للدولة وكيفية استعمال اموال الثروة النفطية والغازية في لبنان".
أقرّ الصندوق السيادي لادارة مردود الثروة النفطية والغازية في لبنان
اولا تعريف الصندوق السيادي: هو صندوق استثماري مملوك للدولة ويضم اصولا حكومية مستمدة من عائدات البترول والضرائب عليها وينقسم الى قسمين :
1. ادخار مع استثمار
2. تنيمة
3. ان اكبر صناديق الثروة السيادية على مستوى العالم من حيث حجم الاصول حتى يومنا هذا هي كالتالي: صندوق التقاعد الحكومي النيروجي : الاصول نحو 1.8 تريليون دولار اميركي.
4. مؤسسة الاستثمار الصينية: الاصول نحو 1.24 تريليان دولار اميركي.
5. جهاز ابو ظبي للاستثمار: الاصول نحو 1.7 تريليون دولار اميركي.
6. هيئة الاستثمار الكويتية: الاصول نحو 1.03 تريليون دولار اميركي.
7. صندوق سنغافورة السيادي: الاصول نحو 900 مليار دولار اميركي.
8. الصندوق السيادي السعودي: الاصول نحو 925 مليار دولار اميركي.
9. اما في منطقتنا العربية فمعظم الصناديق السيادية خليجية كدول مجلس التعاون الخليجي، وتشكل ثروات ضخمة مقارنة مع بقية دول المنطقة. ان باقي صناديق دول المنطقة فلا تتجاوز حاليا عتبة المئة مليار دولار اميركي مجتمعة.
10. تتسم معظم الصناديق السيادية للدول النامية بعدم الشفافية والهدر والفساد لذا لا بد من تشريعات قانونية تحد من الهدر والفساد وسوء استعمال اموال هذه الصناديق.
11. من هنا لابد من تشريعات قانونية صريحة وقاسية وشفافة لمنع سوء استعمال اموال ثروة لبنان النفطية والغازية.
12. ان معادلة النجاح للصندوق السيادي اللبناني تكمن في استثمار القسم الاكبر منه داخليا وليس خارجيا كما هو مطروح حاليا. وهذا يساعد لبنان في رفد الاموال في مشاريع داخلية وخاصة في مشاريع اعادة الاعمار، ومساعدة ودعم المؤسسات التجارية والمصانع في النهوض ، ورفع اثار الحرب المتوحشة في اسرع وقت لدفع العجلة الاقتصادية قدما الى الامام.
قطاع الخدمات
أما عن قطاع الخدمات، فرأى البروفسور همدر أن "الاقتصاد اللبناني هو اقتصاد مبني على الخدمات حيث يتجاوز حصة هذا القطاع من الناتج المحلي اللبناني ما يقارب ال 80% كما اشار تقرير لصندوق النقد الدولي عام 2010. ولا يزال هذا القطاع المهيمن الاكبر على الاقتصاد اللبناني حتى يومنا هذا اذ ان معدل حصة هذا القطاع من الناتج المحلي اللبناني تجاوزت 80% كما أشارت دراسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للفترة الممتدة من عام 2017 حتى اليوم. يشمل هذا القطاع: التجارة، النقل، الاتصالات، الخدمات المالية، الخدمات التعليمية، الخدمات الصحية وخدمات الاعمال، بالإضافة إلى قطاع البناء والمياه والكهرباء. ان هذا التركيز على قطاع الخدمات يعتبر من وجهة نظر اقتصادية حقيقية خللًا في تركيبة الاقتصاد العام للدولة. فالاقتصاد القوي لابد ان يوازن بين كل القطاعات الاقتصادية ، حيث الجسم الاقتصادي السليم يحتاج الى تفعيل كل القطاعات لتسريع عملية النهوض الاقتصادي وتخفيف من حدة المخاطر التي تواجه لبنان".
النهوض بالاقتصاد اللبناني
تابع: "ان الحرب الاسرائيلية المتوحشة الاخيرة قد كبدت الاقتصاد اللبناني خسائر فادحة في الاقتصاد والبنى التحتية على حد سواء. لم يسلم اي قطاع اقتصادي لبناني من العدوان المتوحش الاسرائيلي الآثم. فقد دمرت الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات والقطاع الصحي والقطاع التعليمي وقطاع الكهرباء والمياه، وحتى قطاع النقل والطرق. لم يبقَ قطاع واحد في منأى عن التوحش الاسرائيلي. لقد اشار تقرير الحكومة الذي قدمه الرئيس نجيب ميقاتي في القمة العربية الاسلامية الى ان حجم خسائر لبنان جراء هذه الحرب تقدر بنحو 8.5 مليار دولار أميركي . وقد تم تأكيد هذا التقرير بتقديرات البنك الدولي لخسائر لبنان من جراء العدوان الاسرائيلي. وأوضح التقرير أن قطاع الإسكان تكبد خسائر فادحة تجاوزت الـ 3.4 مليار دولار امريكي، اما القطاعات الاخرى كالزراعة والصحة والتربية والبيئة، فقد بلغت خسائرها نحو 5.1 مليار دولار اميركي. لقد كانت هذه التقديرات اولية حيث لم تؤخذ في الحسبان الخسائر غير المباشرة على الاقتصاد اللبناني .ان تقدير الخسائر المباشرة وغير المباشرة على الاقتصاد اللبناني قد تتجاوز 18 مليار دولار امريكي، اذا ما اضيفت خسائر الناتج المحلي وخسارة النمو الاقتصادي الموعود. لقد قدرت دراسات عدة كلفة الحرب الاخيرة من الناتج المحلي بنحو 70% اي ما يعادل 13 مليار دولار، بالإضافة الى توقف ما يقارب المليون انسان عن العمل ما يسبب انكماشًا اقتصاديًا. كما ان تلبية المسكن والدواء والغذاء لحوالى اكثر من مليون لبناني نازح قد كلف نحو 4 مليارات دولار اميركي، ناهيك عن ارتفاع في معدل التضخم كنتيجة لهذه الحرب. ان الغرض من هذا العرض هو فهم حقيقة الاقتصاد اللبناني وحجم المشاكل الانية وكيفية تجاوزها حتى ندفع بالعجلة الاقتصادية قدما الى الامام".
الحلول والتوصيات
وعرض همدر للحلول والتوصيات كالاتي:
١- اعطاء الاولوية لانهاء العدوان المتوحش ومغادرته بشكل قاطع من لبنان ليتسنى للبنان تلبية الحاجات الانسانية من مسكن وملبس ومأكل.
٢ - اعادة الاعمار باسرع وقت حتى يعود الناس الى قراهم وبيوتهم ومزارعهم ومؤسساتهم وفي هذا شقان: - دفع الحياة الطبيعية الى الامام حيث الاستقرار ضروري لاعادة النهوض الاقتصادي ودفع عجلة الاقتصاد قدما الى الامام.
٣- التشبث بالارض وبخاصة في قرى الشريط الحدودي حتى لا تترك تلك القرى للاطماع الاسرائيلية.
٤- ان تجارب الدول في اعادة النهوض الاقتصادي وبخاصة تلك التي خرجت من حروب مدمرة كالمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وفيتنام بعد الحرب الامبركية في السبعينيات واوروبا الشرقية كدول صربيا و كرواتيا وغيرها، اعتمدت بشكل رئيسي على دعم المبادرات الصغيرة والمتوسطة الحجم لما لهذه المؤسسات من حصة وازنة في الاقتصاد بخاصة في الدول النامية مثل لبنان، ولما لها من عامل استقرار وتوظيف نسبة كبيرة من اليد العاملة".
المؤسسات في لبنان
تشكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم ما يقارب الـ 95% من الشركات في لبنان وتوظف نحو 25% من اليد العاملة وتشكل هذه المؤسسات ركنا متينًا في الاقتصاد اللبناني وتعتبر هذه المؤسسات المحرك القوي للاقتصاد والنهوض الاقتصادي المستدام.
تعريف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
وضعت المفوضية الاوروبية تعريفا جديدا للشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة مبني على معايير اربعة هي:
- العدد الاجمالي للموظفين في المؤسسة .
-الحجم السنوي للتداول التجاري.
- مجموع الموجودات في رصيد المؤسسة .
- درجة استقلالية المؤسسة او ملكيتها الذاتية، وهنا الحرص على ألا تتجاوز ملكية مؤسسة كبرى 25% من راس مال مؤسسة صغيرة او متوسطة الحجم. ان المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تنتشر في انحاء العالم كافة وتشمل اكثر من 90% من اجمالي المؤسسات وبخاصة في الدول النامية. حتى في الاتحاد الاوروبي تشكل هذه الشركات اكثر من 95% من مجمل المؤسسات ويبلغ عددها اكثر من 25 مليون مؤسسة وتضم اكثر من 100 مليون عامل. وتسهم بنحو 60% من القيمة المضافة في قطاع الاعمال غير المالية.
اما في لبنان ففي دراسة لادارة الاحصاء المركزي يبلغ عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة اكثر من ربع مليون مؤسسة نحو 95% صغيرة توظف ما يقارب الخمسة أشخاص. ينتمي القسم الأكبر من هذه المؤسسات الى القطاع التجاري اكثر من 150 الف مؤسسة اما الباقي فهي مؤسسات صناعية وخدمات وسياحية وغيرها”.
ولفت إلى أن " العدد الكبير للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة يؤكد الحقيقة الدافعة، بان اي نهوض اقتصادي غير ممكن دون دعم هذه المؤسسات التي توظف عددا كبيرا جدا من اللبنانيين في ظل فشل القطاع العام والازمات التي مر بها من سياسية وامنية واقتصادية وهدر وفساد وقلة انتاجية وانعدام الجدوى الاقتصادية. وفي ظل الانهيار الاقتصادي الكبير لا بدّ من دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تتمتع بالمرونة وبُعدها عن البيروقراطية وقدرته على اتخاذ القرارات السريعة، حيث عادة ما يكون هناك مسؤول واحد يستطيع ان ياخذ اي قرار بسرعة وسهولة ينسجم مع متطلبات المستهلكين، ما يجعل هذه المؤسسات الاقرب الى التفاعل مع المتطلبات والاتجاهات المستحدثة في الاسواق المحلية وحتى الاقليمية".
وأكد أن "دعم هذه المؤسسات يشكل صمام امان وعامل استقرار لما لهذه المؤسسات من حصة عالية من القيمة المضافة ومن اليد العاملة التي غالبا ما تكون من الطبقة الوسطى في لبنان. ان اي نهوض اقتصادي لا يمكن تحقيقه دون خلق فرص عمل للشباب ووقف هجرة الادمغة اللبنانية(Brain Drain) ، وفي تقرير حديث للبنك الدولي ان نسبة البطالة في صفوف الشباب قد تجاوزت ال 50%، وهي اكثر من هذا في صفوف الاناث حيث اشارت دراسات عدة للاسكوا والبنك الدولي الى ان معدل البطالة عند الاناث تجاوز 65% في لبنان".
وشدد على وجوب "اطلاق ورشة اعادة الاعمار في اسرع وقت وخاصة في القرى الحدودية حتى تفشل كل خطط اسرائيل بالاستيلاء على الارض، وانهاء المرحلة الثانية من الترميم ومساعدة اهلنا للعودة في اسرع وقت الى بيوتهم ومؤسساتهم و دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لما لهذه المؤسسات من عامل استقرار اقتصادي واجتماعي في صفوف الطبقات الدنيا والوسط وخلق فرص عمل للشباب بعدما تجاوزت نسبة البطالة بين الشباب والشابات الـ 50% و الطلب من الحكومة اللبنانية اصلاح المياه والكهرباء وكل البنى التحتية في اسرع وقت حتى يثبّت عامل الاستقرار الاجتماعي ، وحتى تتحرك عجلة الاقتصاد بسرعة فائقة لما للبنى التحتية من اهمية في النهوض الاقتصادي والاجتماعي".
اما على صعيد السياسة الاقتصادية، فرأى همدر أنه "من الواجب على ممثلي الامة في بيئتنا المضي قدما في ملف محاربة الفساد والهدر واعتماد توازن علمي بين الكفاءة والولاء حيث اثبتت الوقائع ان الكفاءة هي العامل الابرز في التقدم والازدهار والاستقرار المستدام"، وقال : "إن تشجيع الاستثمارات الخارجية والداخلية أمران ضروريان لإعادة الاستقرار الاقتصادي المبني على زرع الثقة وتقديم الحوافز الاقتصادية للمستثمرين والمنتجين على حد سواء. من هنا يجب العمل بجدية على الأمور التالية:
١- إعادة سريعة لهيكلة القطاع المصرفي وتحميل هذا القطاع نصيبا من خسائر المالية.
٢- العمل وبكل جدية على مشروع لإعادة اموال المودعين حتى تتعزز الثقة بالقطاع المصرفي مجددا. والجدير ذكره هنا أن أي عملية استثمار وتوسع بالاقتصاد بحاجة الى قطاع مصرفي قوي وحائز على ثقة المودعين والمستثمرين والمنتجين حتى يتحقق الاستقرار وتعزز الثقة في هذا القطاع.
٣ - العمل على هيكلية القطاع العام وإصلاحه وإيجاد حل لعدد الموظفين الذين وظفوا نتيجة تراضي القوى السياسية من دون أي حاجة أو جدوى في توظيفهم حتى أصبحوا عبئا على القطاع العام والمالية العامة للدولة.
٤ - البدء بالاصلاحات الاقتصادية تجاوبا مع متطلبات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي ودول خليجية واقليمية اخرى حتى يتسنى للبنان البدء باستلام المساعدات لتحريك الوضع الاقتصادي وتسريع عملية اعادة الاعمار.
٥- سن قوانين حضارية وعصرية تشجع المستثمرين المحليين والدوليين على الاستثمار في لبنان وفي القطاعات المختلفة لتوسيع الاقتصاد ودفع عجلة النهوض الاقتصادي الى الامام.
٦ - الاستفادة من اصول الدولة العامة التي تقدر بنحو 70 مليار دولار اميركي وفي تقارير اخرى تقدر بنحو 100 مليار دولار اميركي وتشمل املاك الدولة من اراضي ومؤسسات ومرافق عامة وغيره.
٧ - اقرار الدولة لمسؤوليتها عن صرف ما يقارب 50 بليون دولار اميركي من اموال المودعين وتحميلها جزءًا من الخسائر والبدء بوضع قانون لاعادة اموال المودعين حتى تحل الازمة الاقتصادية وتبدأ عجلة الاقتصاد بالدوران.
٨ - إعادة جدولة الدين العام وبدء مفاوضات جدية مع حملة السندات، سندات اليورو بوند.
٩ - الاستفادة من موجودات مصرف لبنان لتوسيع الاقتصاد وتعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي حيث تشير الدراسات الى امتلاك مصرف لبنان لاكثر من 30 مليار دولار اميركي من موجودات نقدية وذهب .
قضيه الذهب
- ان لبنان يعد من اعلى دول المنطقة في امتلاك الذهب والدول العشرين في قائمه الدول بامتلاكها للذهب وفق تصنيف مجلس الذهب العالمي. ويتصدر المرتبة الثانية عربيا بعد السعودية اذ يملك 286.8 طن نحو 15 مليون اونصة. بينما السعودية تملك 323.1 طنا. ان قيمة الذهب اللبناني تتجاوز حاليا عتبة العشرين بليون دولار أميركي.
- إن الاستفادة من الذهب في لبنان يصطدم بالقانون الرقم 42 الذي ينص على "بصورة استثنائية وخلافا لاي نص يمنع منعا مطلقا التصرف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان او لحسابه مهما كانت طبيعة هذا التصرف وماهيته سواء كان بصورة مباشرة او غير مباشرة الا بنص تشريعي يصدر عن مجلس النواب( الجدير بالذكر ان نحو 60% من الذهب موجود في لبنان و40% موجود خارج لبنان). ولكن هنالك طرق حديثة بالتعامل مع الذهب ومنها امكان تاجيره مقابل عوائد سنوية بملايين الدولارات، او رهن جزء منه مقابل الحصول على قروض لتوسيع الاقتصاد وضخ السيولة المطلوبة لاعادة الاعمار وتشجيع الاستثمار لدفع العجلة الاقتصادية قدما الى الامام ، واصلاح وتفعيل هيكل الاقتصاد اللبناني.
- ان هنالك تجارب عالمية في استعمال الذهب كضمانة للحصول على قروض من مؤسسات دولية كما حصل في قبرص، مع التشديد ان ذلك لا يعني خسارة الذهب او بيعه ، بل استعماله كضمانة للمؤسسات والبنوك العالمية للحصول على قروض ودعم مادي لتوسيع الاقتصاد والعمل على تحفيز الاستثمار.
- هناك فرصة تاريخية لجعل مناطق الضاحية والبقاع والجنوب مناطق مثالية من حيث البناء والتشجير والمساحات الخضراء. وهناك فرصة جدية لجعل ضاحية بيروت الجنوبية منطقة نموذجية من حيث إعادة الاعمار وانسجامه مع البيئة، من خلال اعتماد الطاقة البديلة والبنى الذكية والتخطيط الحديث للشوارع والطرق.
فرصة حضارية
ولفت إلى أن "غياب التخطيط الحديث في الإعمار والشوارع والطرق جعل من الضاحية واحة للفوضى والازدحام والتلوث البيئي المتمثل بالاعداد الضخمة لمولدات الكهرباء، اذ تبلغ نسبة التلوث معدلات عالية جدا مقارنة مع بعض المناطق في لبنان".
ختم: "لقد تعلمنا ان نجعل من الازمات فرصا للنهوض والتقدم والازدهار، ولقد عملنا دوما على جعل عامل الاستقرار عامل محرك للنهوض الاقتصادي والاجتماعي والاُسري ولكل مفارق الحياة الانسانية. إن أي عملية لنهوض اقتصادي مهما كانت قوية ومتينة لن تنجح في ظل فساد طاغ وفي ظل قطاع عام غير منتج وغير ذي جدوى. ان محاربة الهدر والفساد لهما اولوية لنهوض اقتصادي واجتماعي مستدام على المدى الطويل".
=============