حاصباني رعى توقيع كتاب من يدحرج الحجر للباحث خير: لا بد من تفعيل
الحوار بين الاديان والتفاعل بين الدول التي تتخذ الاديان مراكز كبرى فيها

وطنية - وقع الباحث والكاتب وائل خير كتابه تحت عنوان "من يدحرج الحجر" مصير مسيحيي الشرق، في قاعة "ال نهيان" في جامعة البلمند في الكورة، وذلك برعاية نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني، وحضور معوض ممثلا رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض، النائبين السابقين فادي كرم وايلي كيروز، يعقوب حبيب ممثلا النائب السابق سليم حبيب، ماري حبيب عقيلة النائب الراحل فريد حبيب، المتقدم في الكهنة الاب ابراهيم سروج، رئيسة مؤسسة الطوارىء مايا حبيب حافظ، رئيس بلدية دوما جوزاف خيرالله المعلوف، وحشد كبير من الفاعليات ومهتمين.

بداية النشيد الوطني، ثم القى مدير مدرسة القبة بشير الخوري كلمة رحب فيها بالحضور واكد ان مسيحيي الشرق هم مهد الديانة المسيحية، ولبنان يشكل التجمع الاعلى في المنطقة، املا ان يأخذ المسيحيون دورهم البارز في لبنان وسائر الدول العربية.

كرم
والقى كرم كلمة قال فيها: "من الصفحة الاولى للكتاب أبدأ مداخلتي هذه حول كتاب لمفكر أدخلنا فورا ومن السطر الأول في المخاض الخطير الذي يمر به وطننا الجبيب، لا بل المخاض الوجودي الذي نمر به، فوطننا التاريخي بأرزاته، المظللة لشعبه والحامية لحريته والدافعة لعنفوانه، تتعرض اليوم منطقته الإقليمية لحقبة من التغيرات البنيوية، يذكرها الكاتب في صفحات كتابه لإبداء خشيته على الحضور المسيحي بشكل عام والارثوذكسي بشكل خاص، ولكنه يستدرك فورا في الصفحة الثانية ليقول ان محو القتامة يبقى بيدنا نحن، ان عرفنا ان نأخذ الخيارات الإنقاذية.

اضاف: "هنا يأتي دوري كسياسي، ارثوذكسي العقيدة الإيمانية، أنتمي لحزب سياسي قراره لبناني وشعاره الأرزة ووجوده من وجودنا وبقاؤه من بقاء هذا الوطن التاريخي، سياسي أمثل، بأصوات أبناء منطقتي وليس بالقانون الانتخابي، أمثل اغلبية في منطقة اغلبيتها أرثوذكسية، فيقع على مسؤوليتي المشاركة في وضع الرؤية الإنقاذية، ولأنني اعتدت على الخوض في الأمور المصيرية فقد طرحت في عدة لقاءات نظرتي لهذا الأمر المتمثلة بأن "خلاصنا يأتي من فعاليتنا، ووجودنا من دورنا". فيأتي هذا الكتاب القيم اليوم ليؤكد في صفحته 203 اعتقادي الراسخ هذا. يسرد الكاتب في تلك الصفحة النقاشات التي كانت تجري بين ممثلي الدول العظمى في ذلك الوقت حول التقسيمات الادارية التي من المفترض ان تقلص التشنجات بين اللبنانين بعد الأحداث المؤلمة التي شهدها جبل لبنان وما نتج عنها من فرز طائفي.

فتلك النقاشات كانت تدور حول وضع نظام جديد لجبل لبنان بناء على تقسيم طائفي ومذهبي، وقد خصص للكورة نتيجة اصرار المندوب الروسي في المفاوضات نفيكوف، وهو السكرتير الأول للوزارة الروسية في اسطنبول، خصص للكورة قائمقامية، اعتبر المندوب الروسي بطرحه هذا أن القائمقامية الأرثوذكسية هي للحفاظ على الدور الارثوذكسي في الجبل اللبناني وفي مستقبل لبنان. وان اردنا ان نترجم ذلك الواقع على واقعنا الحالي فأضعه تحت عنوان " ماذا تقدم المجتمعات لأوطانها وللمجتمعات الأخرى وللإنسانية جمعاء".

وتابع"إن مبدأ الفصل والعزل والخطوط الحمر بين المجتمعات من أجل الحماية والتمايز قد ولى، فتلك الإستراتيجية انتهى دورها، ولسنا هنا اليوم لتقييم نتائجها، فالإنسانية اليوم في قرية كونية، وإنفتاح الحضارات على بعضها أصبح واقع وحقيقة لا ينتظر الموافقة من أحد فكل ما نستطيع القيام به هو التأثير على مسار هذا الانفتاح، فهل هو حوار أو صراع؟؟؟

نحن اللبنانيين بشكل عام والارثوذكسيين بشكل خاص مؤهلين للعب دور الموجه لهذا الانفتاح للجغرافيا تأثير كبير في مسائل استراتيجية كهذه، فجغرافية الكورة التي تتوسط أقضية أخرى كل لها ميزاتها، تستطيع أن تلعب دور الجامع، أي القضاء المركزي للأقضية المجاورة.

الكورة هي المناسبة جغرافيا وبنيويا وفكريا، ولا أكشف سرا إن أعلنت اليوم أنني أسعى منذ فترة لتمركز دوائر الدولة اللامركزية في هذا القضاء الجامع، القضاء اللقاء، وقد ساهمنا في تحقيق بعضها على أمل ان نستقبل دوائر أكثر.

أما النقاش الارثوذكسي-الارثوذكسي الذي فصله الكاتب في كتابه هذا، فهو نقاش غني بالفلسفة وبالتراث الفكري، والإنجاب له قد يبعدنا عن الواقعية وعن السياسات الاقتصادية والعلمية والإدارية.

هو حتما نقاش يضيء المسار المستقبلي الريادي، ولكنه لا يفي بالمتطلبات التطورية الحياتية، فالعالم متغير ومتطور تكنولوجياً والفلسفة ليست الأداة للتطور بل الرؤية العلمية هي الآداة لترجمة فلسفتنا.

واردف: إنه الكتاب الذي دحرج الحجر عن القضية، قضية طالما نامت طويلاً ولكنها لم تمت مصيرياً، فجاء هذا الكتاب لإيقاظها، فما علينا إلا ان ندرس الخيارات لنضع المسار. مسار يشابه التراث الارثوذكسي الحر والبعيد عن العصبية والتزمت والذمية، لقد كنا رياديين وسنبقى كذلك، لأن الإنسانية بحاجة للانفتاح الحواري كما كانت بحاجةٍ يومها لدحرجة الحجر عن قبر يسوعنا ومخلصنا وربنا.

وختم: "أهنىء صديقي وائل خير على أمانته في كتابة التاريخ، فقد وضع التاريخ ماثلاً أمامنا، ولم يسعى أن يكون هو الماثل في التاريخ، كل ما أراده من خلال كتابه هذا هو ان نكتب الآن التاريخ الذي سياتي ولا نتدخل بالتاريخ الذي سبقنا. مسعاه الأمانة بوجه التذوير، ومفهومه المحافظة على الآخر عندما يكون هناك الكثير من الإلغائيين. وائل أعطانا مجريات الأحداث وترك لنا القرار، وأوضح لنا انه في الارثوذكسية كان دائماً نقاش بين مدرستين، فليبحث كل منا من اي مدرسة هو ولأي فكر ينتمي ،ليس حزبيا او مناطقيا، بل فكريا، وعندها يكتشف إلى اي مدرسة ينتمي حقا.

شكرا صديقي وائل، فقد فتحت ثغرة في جدار اللامبالاة فلم تستسلم لهذا الزمن السطحي بل تحديته بكتابك.

ومن يدحرج الحجر".

حبيب
بدورها القت حبيب كلمة قالت فيها: "الحديث عن معنى المسيحية المشرقية بالنسبة لبيت حبيب والانتماء المسيحي الاورثوذكسي لطرابلس مدينة العيش المشترك، الحديث عن الحضور الاورثوذكسي في طرابلس له جذور طويلة، والشاهد على ذلك آثارها وكنائسها خاصة كنيسة مارجاورجيوس والمدارس الموسكوبية وغيرهما".

اضافت:"الكنيسة هي محور حياتنا واعمالنا اليومية، ونحن نعمل في الحقل الاجتماعي تحت تعاليم الكنيسة وما تحمله من معان سامية كالمحبة والسلام والعطاء والتضحية، ونحن نعمل في جمعيتنا لتعزيز العيش المشترك والشراكة مع اخوتنا في المدينة".

وختمت: "نحن بحاجة الى قياديين يحتضنون الشباب ويستمعون الى مشاكلهم، ويسعون الى تذليلها، ونشكر كل الحاضرين بيننا والكاتب وخاصة دولة الرئيس حاصباني.

سروج
وتطرق الاب سروج تطرق في كلمته الى مضمون الكتاب وقال: "يحار المرء كيف يبدأ مشاركته وماهي النقاط التي سيتوقف عندها، خاصة ان الموضوع عزيز على القلب وقد قضينا اكثر من نصف قرن نعالجه، قرأت الكتاب من الدفة الى الدنة ورافقني في حلي وترحالي وانا اتشرف لأعرف كيف ندحرج الحجر عن باب القبر.

ابدأ كلامي بشكر الأخ المؤلف الذي دبج ثلاثمئة وثلاثين صفحة وناقش أكثر دزينة اهل العلم والفكر من مسلمين ومسيحيين ومن مختلف الملل. واليكم ماقاله المؤلف عن كتابه الغني بالمحتويات لكنه يفتقر لرابط يجمعها هذا ما قد يتخيله القارئ. فهو يتنقل بين دراسات كتابية، الى علم الكنيسة والى الآباء والى المجامع المسكونية فتاريخ المنطقة فالمعاهدات الدولية، فمذكرات الدبلوماسيين.

ويتابع ليؤكد "ان لا تخبط في السرد بل ما يجمع موضوعات الكتاب هي وحدة جوهره ألا وهي الكنيسة الانطاكية الأرثوذكسية. منذ الصفحة الاولى يعطينا المؤلف جرعة تشاؤمية وخاصة بما يخص الكنيسة الأرثوذكسية. يقول الاخ العزيز وائل الذي نكبر جهاده وصموده حتى اليوم يصارع التنين، ان تبدلات عميقة ستطرأ على مكونات لبنان (الاربعة، الخمسة) سترفع مكانة احداها بشكل دراماتيكي - اظنه يعقد الشيبة فيما تحافظ اثنتان منها بشكل عام على وضعهما سنة او موارنة او دروز؟ المسيحيون عامة ستتراجع مكانتهم غير ان حدسي ان مكونا وهو الطائفة الأرثوذكسية، سوف تكون الخاسر الاكبر ولن يبقى لها جيلها الجديد خاصة الا سبيل وحيد ، ذاك سيكون الهجرة".

وختم:"اخونا وائل خير يترك لنا سبيلا للخروج من الأزمة المصيرية، وثمة اشخاص لا يريدون الاصلاح ولا دحرجة الحجر عن باب القبر، والاصلاح مسيرة لا تتوقف وهي حاجة ملحة للكنيسة الأرثوذكسية الانطاكية وحاجة وجودية ضرورية، ويجب العمل على اجراء الاصلاح في البنيتين الدينية والسياسية".

حاصباني
وقال حاصباني : "المسيح من عندنا. كلمة استذكرها قالها المثلث الرحمات البطريرك أغناطيوس الرابع هزيم خلال ترؤسه قداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس في لندن احتفالا بانضمام 12 من رعية من الكنيسة الانكليكانية الى الكنيسة الارثوذكسية الانطاكية في عام 1997. قال في تلك العظة، متوجها الى مسيحيي الغرب، اننا رأينا وجه المسيح، وتكلمنا معه وتشاركنا معه المأكل والمشرب".

اضاف: "كنت شابا، تأمل في ابعاد هذا الحدث التاريخي، حيث كان الأب مايكل هاربر، يقود مجموعة البريطانيين الذين انتفضوا على الكنيسة الانكليكانية وقرروا العودة الى الجذور، فبحثوا كثيرا واستقروا على الكنيسة المشرقية لانهم رأوا انها الأقرب جذور المسيحية. كنت اتأمل وارى قوة المسيحية في الشرق وجاذبيتها المستمرة، من دون حملات تبشيرية او استخدام لوسائل الترغيب او الترهيب. فقط، وبكل بساطة، لانها المصدر. ولا يمكن للمصدر ان يجف ان المسيحية المشرقية هي في نظر العديد، حضارة عريقة اتت كنتيجة لتعاليم الكنيسة الاولى التي امتزجت بحضارات كبرى عريقة سلخت من التطور الفكري الرومان والفلسفة اليونانية وانصهرت مع جسم هذه الكنيسة.

وتابع: "الحضارة المسيحية هي: اولا : الكنيسة التي منها تنبعث كلمة المسيح الإله وتعاليمه لابنائها. والكنيسة هي جسم المسيح، ولها الدور والسلطة والسيادة على بث جوهر الايمان. والايمان يأتي مبنيا على يقين بوجود المسيح، واحادية الثالوث ودستور ايمان يكرس مبدأ الإله الواحد، الذي عرفته المسيحية بأقانيم ثلاثة: آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض ، وابنه الوحيد المساوي له في الجوهر الذي تجسد ومات وقام من اجل البشر، وروح قدوس ناطق بالأنبياء.

ثانيا: الطائفة، وهي الشعوب التي اتخذت من الكنيسة مرجعا وبيتا روحيا لها، وبنت حياتها وثقافتها حول الكنيسة وشكلت الرأس الثاني لهيكلية المجتمع المسيحي عامة والأرثوذكسي خاصة. فعلامة الارثوذكسية نسر ذي رأسين ، بناء على المبدأ المسمى باليونانية Symphonya، الذي يدل على التكامل بين الاكليروس والعلمانيين في جسم الكنيسة.

ثالثا: الثقافة التي انبثقت من المجتمعات التي نشأت فيها الكنيسة الارثوذكسية بدءا بشرق المتوسط وصولا الى اوروبا وروسيا. وكانت هذه المجتمعات تعيش في ظل امربراطوريات عظمى، متطورة بالفكر والمعرفة، معروفة بعراقتها وإلمامها بالفنون والفلسفة، والتطور العلمي، فأتى ايمانها عن يقين وإدراك وارادة. ونتيجة لذلك، امتزجت تعاليم المسيح بتقاليد تلك الحضارات فانتجت عراقة وتواضعا في الوقت عينه.

عراقة في الطقوس وتواضعا في التعاطي مع الآخر ، وتماسكا في المجتمع".

واردف: "عانت الارثوذكسية كما المسيحية بشكل عام، الكثير من الاضطهاد عبر العصور . فأتتها النكسات من الشرق ومن الغرب، لكنها لم تندحر . وكان سر استمراريتها هو قدرتها على التأقلم مع محيطها.

فالحضارة الارثوذكسية هي حضارة انفتاح وقبول الآخر واحترامه، مع الحفاظ على استقامة المبادىء والرأي.

والكنيسة الارثوذكسية مبنية على هيكلية ادارية لا مركزية، للأبرشيات فيها الاستقلالية الادارية، وبالتالي مرونة كبيرة في التأقلم مع المجتمع المحيط، مع وجود روابط وثيقة مع الابرشيات الاخرى في المجتمع وبين مجامع الكنائس الارثوذكسية المتعددة جغرافيا، مما يعطيها قوة ودعما على نطاق واسع. فاذا ضعفت احدى الكنائس بسبب تحديات تواجهها في مجتمعها، هبت الكنائس الاخرى للمساعدة، او على الاقل استمرت بالوجود من دون ان تتأثر بانتكاسة شقيقتها.

اضافة الى ذلك، فان لا مركزية الكنيسة الارثوذكسية اعطتها قدرة على التعاون مع سياسات دول متعددة قد تكون متناقضة. فيمكن لكنيسة ان تكون قريبة من نظام سياسي معين وكنيسة اخرى من نظام آخر. لكن التعاون يبقى قائما بين الكنيستين. واذا قوي نظام على آخر يأتي الدعم للكنيسة من النظام الاقوى. وهذا ما ساعد الارثوذكسية على الاستمرار في وقت كانت تنافس من حضارات اخرى غربية وشرقية".

وقال: "وضع الكنيسة الروسية مثلا في القرن العشرين كان صعبا جدا في ظل الثورة البولشفية، حيث عانت الكنيسة من 1997 وحتى انهيار الاتحاد السوفياتي قمعا واضطهادا كبيرين، لكنها حافظت على وجودها وحصلت من وقت لآخر على دعم من دول الغرب التي كانت تضغط على النظام السوفياتي لإعطاء حرية اكبر لممارسة المعتقدات.
وبقيت الكنيسة تعمل حتى اصبح من الضروري للسياسيين اخذ المؤمنين بالاعتبار واعيدت الى الضوء في عهد غورباتشوف ضمن اصلاحات "البيريستروكا" عندما ضعف النظام القائم. واليوم نرى الكنيسة الروسية تلعب دورا اساسيا في المجتمع ولها وقع كبير على السياسة الروسية.

وفي حين كانت الكنيسة الارثوذكسية الروسية مضطهدة، كان وضع الكنيسة اليونانية يتحسن حيث توسع انتشارها حول العالم وكان لها وقع ضمن اوروبا مع نشوء الاتحاد الاوروبي ودورها في الولايات المتحدة من خلال انتشار ابرشياتها هناك.

اضافة لكل هذه العوامل، فان غزارة الانتاج الفكري الارثوذكسي، وانتشار المؤسسات العريقة، ساهم في الحفاظ على هذه الحضارة حتى ولو كانت تعيش ظروفا صعبة. ففي ظل السلطنة العثمانية كانت المؤسسات الارثوذكسية تنتشر في المنطقة وكانت الابرشيات تتفاعل مع مجتمعاتها والمدارس تدرس الطلبة والمستشفيات تنمو، وكان للكنيسة اليونانية دور مهم عبر ابنائها الذين برعوا في التجارة والطب والهندسة فتركوا آثارا ومعالم وتاريخ خلد هذه الحضارة.

واشار حاصباني الى ان "كل هذه العوامل موجودة في كنيستنا الانطاكية المشرقية. وبالرغم من المخاطر المحدقة بها، فان انتشار ابنائها وابرشياتها حول العالم، من شأنه ان يؤمن لها الدعم والاستمرارية اذا عملت بتكامل وتكافل بين ابنائهاة ومؤسساتها.

اما في الوجود المسيحي ككل، فهو لا شك انه مهدد في الشرق ، وليس للمرة الاولى. في العراق هبطت اعداد المسيحيين سريعا بعد الغزو الاميركي. ما تبقى كادت تقضي عليه داعش. في سوريا استعرت نيران الحرب الاهلية مهددة الوجود المسيحي. في مصر قتل الكثير من الاقباط على يدي تنظيم الدولة. يأتي هذا بعد اكبر تدمير للكنائس المصرية منذ القرن الرابع عشر على يدي مؤيدي الاخوان المسلمين في 2013.

بالتأكيد لن يرحل او يقتل الجميع، سيبقى هناك مسيحيون في المشرق. ما يزال هناك بضعة آلاف من المسيحيين في تركيا، لكن المسيحية نفسها انتهت هناك. ما نتحدث عنه اذا هو خطر انتهاء الوجود المسيحي كوجود فعال ومؤثر، انتهاء تراث ممتد منذ الفي عام، انتهاء هوية برزت وتشكلت في الشرق الاوسط . فما هوالحل؟

يرى البعض في الديكتاتوريات منقذا، لكنها لم تكن يوما حامية للمسيحية بل مستخدمة لوجودها. ويرى البعض حماية من الامبراطوريات لكن التاريخ برهن كيف لم تتمكن الامبراطورية الروسية من حماية المسيحيين في القسطنطينية من الامبراطورية العثمانية، بل استخدم الحكام الكنيسة لاستقطاب ابنائها والحصول على دعمها لحكمهم وليس العكس، لأن الكنيسة تتمتع بقوة تستمدها من خارج هذا العالم. هذا ما يفسر قدرة انتشارها في ظل ظروف شبه مستحيلة في كنف امبراطورية عظمى تحولت من الوثنية الى المسيحية بشكل سريع، وحافظت على استمراريتها رغم كل المصاعب . واليوم، نرى عودة لجزء كبير من المسيحية بعد غياب في اوروبا الشرقية وروسيا وانتشارا واسعا في الاميركيتين وعودة الى الكنيسة في بريطانيا وفرنسا والمانيا.

في زيارة قمت بها مؤخرا لدولة مقدونيا، رأيت عشرات الاديرة والكنائس التي يعاد ترميمها وابناء بلد ولدوا في الاغتراب يعودون لبناء اقتصادهم، وحجما كبيرا من المؤمنين، كل هذا بعد اضطهاد طال لعقود وتهجير وتطهير عرقي.

واضاف: فالتاريخ علمنا ان الاستمرارية ترتكز على عوامل عدة:

1- الاستفادة من الانتشار لبناء المؤسسات والاستمرار بنشر الفكر.
2- التشبث بالعقيدة والجذور كما فعل ابناء الكنيسة الروسية في ظل الثورة البولشوفية وابناء الكنيسة في اوروبا الشرقية في ظل الشيوعية.
3- الاستفادة من الظروف والتعاون مع القوى السياسية المؤثرة عالميا واقليميا ومحليا.
4- التضامن والتكافل عبر الحدود.
5- التأقلم مع المحيط مع المحافظة على الهوية والايمان.
6- البحث المستمر وتطوير الفكر والمعرفة وبناء الجسور بين الحضارات.
7- بناء وتقوية وتفعيل المؤسسات، خاصة التعليمية منها (جامعة البلمند، والمستشفى حركة الشبيبة الارثوذكسية، الكشاف الوطني الارثوذكسي، المدارس الارثوذكسية وجامعة القديس جوارجيوس والمستشفى).

وفي هذا السياق، نرى الاستاذ وائل خير اليوم مؤلفا امضى سنوات طويلة في خدمة حقوق الانسان فدرس الشعوب والحروب مما مكنه من ان يقيس المخاطر بدقة. وهو اليوم يرى ان مخاطر كبرى تحدق بالمسيحية كليا في بعض البلدان واصبح وجودها شبه زائل. وهو يرى ان الوقت اصبح ملائما لاستنهاض القوى المسيحية المؤثرة في دول تلعب دورا اساسيا في المنطقة للمساهمة في حماية الوجود المسيحي .

ارثوذكسي بالفكر والقول وبالفعل، غيور على وطنه، وعارف ان للوطن لا يكون الا بجميع ابنائه واذا فقد جزء منهم يفقد ميزة مهمة من ميزاته وهي التنوع الحضاري والثقافي والديني.

ففي ظل الصراعات الكبرى الدائرة عالميا واقليميا لا بد من تفعيل الحوار بين الاديان والتفاعل بين الدول التي تتخذ الاديان مراكز كبرى فيها.

قد نتفق مع طرحه او نختلف معه، لكن من يقرأ هذا الكتاب يرى في عمق الاطلاع، وسلامة الاسلوب وبساطة السرد وبالرغم من صعوبة الموضوع الذي يعالجه ودقته.

كلما اشتدت الصعاب، ومن حين لآخر يأتي بصيص امل شرخ في حائط يبدو مسدودا، يبدأ الأمل بفكرته من هنا ورؤية من هناك يأتي من يتأثر بهذه الفكرة، يبني عليها، يطورها، ثم يأتي من يعمل على جعلها فعلا ثم مبادرة ثم عملا ليفتح فجوة في الحائط ويبني طريقا للمستقبل.

ارى في هذا الكتاب مزيجا من كل هذه الخطوات، نقطة تلاق بين افكار عديدة، منها جديدة ومنها ما يبني على بحث عميق في الانسانية. هذا الكتاب يفتح لنا طاقة في الحائط فلنتأمل بطرحه، ونفكر عميقا بمقاربته لعله يكون ملهما لنا كي نبني طريقا للمستقبل حفاظا على ارث عريق ومستقبل غني بالعطاء والتطور والتعايش بين البشر".

وختم: "يطمئننا وائل خير بمقطع مما كتبه الاسقف فيرجيل جورجيو في رومانيا عندما كانت ترزح تحت الحكم الشيوعي قائلا :"لو كانت الكنيسة مؤسسة بشرية، لانهارت واندثرت. هل يبقى مجال للشك اذن انها هي الكنيسة التي بناها المسيح والا كيف تستمر؟".

ان من هو من عندنا، من دحرج الحجر عن القبر بقدرة لا تفسر، هو من سيدحرجه اليوم فاتحا باب القيامة للمسيحية المشرقية . فالرب معي فلا اخاف ما يصنع بي الانسان.

وفي الختام وقع خير كتابه للمشاركين.


================ محسن السقال/ ب.أ.ر


تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب