دراسة لمعهد فليحان واليونيسف: 54,4% من الإدارات العامة قادرة على تقديم الخدمات لسنة إضافية على أبعد تقدير  الخليل: مشروع موازنة 2023 سيكون منسجما مع خطة التعافي

وطنية - كشفت دراسة تقييمية لتداعيات الأزمة على الإدارات والمؤسسات العامة في لبنان، أجراها معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي بالتعاون مع اليونيسف، وأعلنت نتائجها خلال حلقة نقاشية في المعهد، أن "54,4 في المئة من الإدارات والمؤسسات العامة اللبنانية التي شملتها الدراسة، قادرة على الاستمرار في تقديم الخدمات للمواطنين لسنة إضافية على أبعد تقدير، وأن 60 في المئة من هذه الجهات أبدت مخاوفها في شأن تراجع قدرتها على توفير الخدمات".

ولاحظت الدراسة التي "شملت 50 في المئة من الجهات الحكومية، أن الأزمات ادت إلى خلل في توفير الخدمات العامة، وأن المؤسسات التي تقدم الخدمات العامة بلغت حدا من الإجهاد وباتت على شفير الانهيار بعد عامين على بدء الأزمة".

الخليل

وأكد وزير المال في حكومة تصريف الاعمال الدكتور يوسف الخليل في افتتاح الحلقة النقاشية، أن "مشروع موازنة عام 2023 سيكون منسجما مع خطة التعافي الاقتصادي التي تبنتها الحكومة في شهر أيار 2022"، موضحا أنه سيأخذ "بالاقتراحات المناسبة، لا سيما على مستوى توحيد سعر الصرف واعتماد سياسات ضريبية عادلة وتصحيح الأجور".
 
ولفت الى أن "أهمية هذه الدراسة تكمن في أنها مبنية على قرائن وأدلة علمية تقدم توصيفا دقيقا لواقع الإدارات والمؤسسات العامة في لبنان، وتحدد المخاطر التي تهدد وجودها واستمرارها نتيجة الأزمات المتتالية التي نعيشها".

وإذ ذكر بأن المعهد "يشكل دعامة أساسية من دعائم وزارة المال، في رسم السياسات العامة وإدارة المال العام، ورافدا لسائر الوزارات والإدارات الرسمية، خصوصا لناحية التدريب وتنمية القدرات الوطنية"، شكر لليونيسف "دعمها المستمر وثقتها وتعاونها مع المعهد، لا سيما خلال هذه الفترات الصعبة والدقيقة التي يشهدها القطاع العام ولبنان".

وأشار الى أن "الأوضاع الصعبة التي يشهدها لبنان أرهقت كاهل الإدارات والمؤسسات العامة في البلاد، التي تعاني أصلا من ضعف البنى التحتية ونقص الموارد البشرية وشح الموارد المالية، مع العلم أنه في زمن الأزمات يزداد الطلب على الخدمات العامة من قبل المواطنين بشكل عام، ومن الفئات الأكثر حاجة بشكل خاص".

وقال: "المطلوب من هذه الإدارات ووزارة المال واحدة منها، كثير في هذه الأيام، وهي لا تملك إلا القليل، إن على مستوى الموازنات، أو على مستوى الأنظمة والبنى التحتية، والأهم على مستوى الموارد البشرية والكفايات، وخصوصا أن الأزمات المتتالية ضاعفت الخلل والقصور الهيكلية التي كانت أساسا تعاني منها الإدارات قبل الأزمة، وحدت من قدرتها على التخطيط ووضع سياسات استباقية وتأمين استمرارية عملها".

أضاف: "المنعطف الحالي يتطلب حزمة تدابير وإصلاحات هيكلية من شأنها أن تمهد الطريق نحو استقرار الاقتصاد وإرساء أسس النمو المتوازن، والتفكير في السبل الممكنة للنهوض".

ولفت الى أن "إعداد مشروع الموازنة العامة لعام 2022 استند على رؤية تتمثل في اعتماد موازنة طارئة وخطة شاملة للتعافي الاقتصادي". وقال: "حاولنا أن تكون هذه الموازنة تصحيحية، تحفيزية للاقتصاد، داعمة للمؤسسات الناشئة، مع حوافز ضريبية تشجع الاستثمارات، ومساندة لتخفيف الأعباء على المكلفين، بالإضافة الى تحفيز القطاعات الإنتاجية، لا سيما القطاع الصناعي والزراعي واقتصاد المعرفة، فالتصحيح بعد الانهيار هو أول مراحل الإصلاح".

أضاف: "مشروع موازنة 2022 التصحيحية سيتكامل مع مشروع موازنة عام 2023 الذي سيكون منسجما مع خطة التعافي الاقتصادي التي تبنتها الحكومة في شهر أيار 2022، والذي سيأخذ بالاقتراحات المناسبة، لا سيما على مستوى توحيد سعر الصرف، اعتماد سياسات ضريبية عادلة، تصحيح الأجور، وغيرها".

وتابع: "إننا اليوم نجري المباحثات مع صندوق النقد الدولي لرسم خطة التعافي الاقتصادي والبدء بورش الاصلاحات المالية والنقدية والاصلاحات البنيوية، بالإضافة الى تعزيز وتكثيف التواصل والتنسيق مع المجتمعات الدولية لاستقطاب المساعدات التقنية والفنية والمالية لبدء الخروج من الأزمة. هذه المباحثات لها أبعاد جوهرية من شأنها أن تساهم في إعادة الثقة بلبنان وأن تعطي حافزا إيجابيا لإعادة احتضانه مجددا من قبل جميع الدول المانحة".

وختم: "عملية بناء الدولة بحاجة الى اتخاذ قرارات سياسية سريعة وجريئة، وعلينا اليوم، مواجهة التحديات والمخاطر والتمسك بالفرص القليلة المتوافرة للنهوض بالبلاد والالتزام بتحقيق الإصلاحات الضرورية". 
 
هيغ 
بدورها، قالت رئيسة قسم السياسات الاجتماعية لمكتب اليونيسف في لبنان سارة هيغ: "بالنظر إلى التجربة الدولية، في أزمة ما، يجب حماية المستوى الأساسي للخدمات الاجتماعية، ويجب ضمان ودعم الحد الأدنى من الدخل للأسر الضعيفة والأكثر فقرا . أما في لبنان، فنحن نشهد حركة في الاتجاه المعاكس خاصة في قطاعات الصحة والتعليم والمياه".

أضافت: "نظرا إلى هذا الوضع الصعب، نحن بحاجة ماسة إلى مزيد من الوضوح حول أثر الازمة على القطاع العام، وبالتالي الدراسة التي اجراها المعهد المالي تملأ هذه الفجوة، وتطرح 3 نقاط مهمة جدا:

أولا، الحاجة الملحة لتطوير خطة إنقاذ وطنية للخدمات العامة كدعم توفر المياه، والمدارس، والمراكز الصحية، ومراكز التنمية الاجتماعية على الأقل - وضمان الحد الأدنى لاستمرار الأداء الفعال لهذه الخدمات.

ثانيا، أهمية التنسيق الكبير مع مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة التي تدعم الخدمات العامة على كافة المستويات.

ثالثا، حاجتنا جميعا إلى فهم ووعي أكبر بالميزانية الوطنية، لزيادة المعرفة حول مقدار الأموال التي لا يزال يتعين على الدولة إنفاقها".
 
الزعني
وقال رئيس معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي بالتكليف غسان الزعني: "ان الإدارات والمؤسسات العامة تسعى إلى "الاستمرار في لعب دورها وفي توفير الخدمات العامة رغم كل الصعاب، وفي ظل التدهور الواسع النطاق الذي يطال الخدمات العامة الحيوية، ويقع على عاتق القيمين على هذه الادارات تحدي الاستمرار في تحفيز الموظفين وتسيير معاملات المواطنين رغم غياب استراتيجية لإدارة الأزمات، ورغم رواتب وأجور لا تكفي لتغطية بدل النقل ومع خسارة كبيرة للموارد البشرية الكفوءة".

أضاف: "رغم الدمار والشك وفقدان الثقة والاستخفاف بمؤسسات الدولة وطاقاتها البشرية، ثمة مؤسسات كثيرة مصممة على المضي قدما غير ان ذخيرتها على قاب قوسين من النفاد، ومعهد باسل فليحان مثال على ذلك وقانون الشراء العام نموذج".

وتابع: "بالنسبة لنا لا خيار سوى الدولة القادرة، ولا مفر سوى العودة الى بناء مؤسسات الدولة، وهذا يعني حكما إدارة عصرية مبنية على الجدارة والمهارة وبمنأى عن الفساد. إدارة ترتقي بالعقد الاجتماعي ليصبح عقد ثقة متبادلة بين الدولة ومواطنيها، دولة تقوم بإعداد القادة لتولي المهام، وتنادي بالتعلم المستمر المرتبط بالأداء".
 
الدراسة
وشرحت الخبيرة الاقتصادية في المعهد سابين حاتم ابرز نتائج دراسة "مؤسسات الدولة في مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية"، مشيرة الى أنها "تقييم سريع لتداعيات الأزمات الاقتصادية والمالية والصحية على قدرة الإدارات والمؤسسات العامة على الاستمرار في القيام بمهامها وتأمين استمرارية عملها على المديين القصير والمتوسط.
واستندت الدراسة على استبيان طلب من 141 إدارة ومؤسسة عامة الإجابة عنه، فاستجاب نصفها، اي نحو 70 إدارة ومؤسسة عامة".

ولفتت الى أن "الدراسة أظهرت أن الأزمة أدت إلى استنفاد القدرات وتزايد المخاوف بشأن توفير الخدمات، وإلى تدهور متسارع في نوعية الخدمة العامة وفي الثقة بالمؤسسات والخدمة العامة. وتناولت الدراسة اثر الأزمة على عدد من القطاعات الأساسية وهي الصحة والطاقة والمياه والزراعة  والخدمات الاجتماعية، وشرحت المشاكل التي ساهمت في خلل عمل الإدارات والمؤسسات العامة، وخصوصا في الإدارة المالية وإدارة الموارد البشرية والبنية التحتية الرقمية للمؤسسات".

وذكرت أن "الدراسة بينت بأن الأزمة أثرت على عمليات الموازنة لدى الجهات المشمولة بها"، لافتة إلى أن "ضعف شمولية الموازنة يؤدي إلى زيادة المخاطر المالية المحتملة على المالية العامة مما يحد من قدرة الإدارات على الاستمرار في تقديم الخدمات العامة. وواجهت 53,8 في المئة من الإدارات تخفيضات في موازناتها تجاوزت أحيانا 20 في المئة مما اثر في قدرتها على التعامل مع تداعيات الأزمة. كذلك كان للدراسة اثر على توريد السلع والخدمات والأشغال والصيانة، ومن وجوهه عدم الاستقرار في توريد السلع والخدمات والاشغال والصيانة لا سيما بسبب المشاكل المرتبطة بالقدرة على التخطيط واستشراف التدفقات المالية واعداد سياسات استباقية ونقص السيولة والتأخير في دفع المستحقات وادارة المخزون، وزيادة نسبة الاخلال بالعقود وتعليق الاتفاقيات مما ادى الى زيادة ممارسات الشراء غير التنافسية".

وأوضحت أن "الدر اسة أوردت في هذا الإطار، أن 52 في المئة من الادارات تقيدت جزئيا بخطة الشراء السنوية، وان 23,1 في المئة لم تعد خطة شراء، وأن 24,5 في المئة من الادارات لجأت بشكل متزايد الى التعاقد المباشر والشراء بالتراضي لتأمين المشتريات في الحالات الطارئة. وشهدت 55,3 في المئة من الادارات والمؤسسات تأخرا في تسديد المتأخرات التي تتراوح من شهر الى 12 شهرا، وادى ذلك الى تقويض علاقاتها بالموردين واظهر ضعف الترابط بين الشراء العام وبقية وظائف الادارة المالية. وفي 67,7 في المئة من الحالات، اثر التأخر في تسديد المستحقات سلبا على قدرة مؤسسات الدولة على الشراء وادى الى نقص حاد في مخزون السلع واللوازم.
وفي ما يتعلق بالعمل المحاسبي وإعداد التقارير المالية، أدى غياب الشفافية المالية الى اضعاف القدرة على التدقيق والرقابة، لا سيما ان البيانات المالية غير موحدة وتتطلب عمليات معالجة لتبسيط المعلومات ونشر البيانات، وهو ما له عواقب مباشرة على قدرة وزارة المال على توقع الحجم الحقيقي للانفاق بالاضافة الى جودة الرقابة المالية والبرلمانية".

وأشارت الى أن "الدراسة أبرزت أن عدم انتظام الرقابة الداخلية والتدقيق الخارجي من شأنه ان يؤثر على المدى البعيد ويحد من قدرة الحكومة على ادارة واصلاح نظام المالية والعامة او تلبية المتطلبات المالية للجهات المانحة. وأدى تعدد الحسابات الى زعزعة عملية ادارة النقد والسيولة وضعف التقارير المالية"، مشددة على أن "الانفاق من خارج الموازنة الناتج بشكل اساسي من تأسيس الشركات المملوكة من الدولة ومرافق عامة، يخلق مخاطر مالية كبيرة ويهدد استدامة تقديم الخدمات".

وفي شأن المكننة والخدمات الرقمية وحفظ المعلومات وأمنها، لفتت الى أن "الدراسة أفادت بأن محدودية تكنولوجيا المعلومات وغياب الذكاء الاصطناعي (بيغ داتا)، تعطل عملية تحليل البيانات واستخدامها بطريقة فاعلة لتطوير الخدمات المقدمة والبحث على توفير خدمات جديدة، مما يؤثر في عملية ادارة العمليات، وبالتالي الحفاظ على جودة الخدمات وحفظ المعلومات وأمنها. واشارت في هذا الإطار إلى استنفاد الاجهزة والبنية التحتية الحالية في الادارات العامة، وعدم تجديد تراخيص البرامج والامان مما يعرض معدات تكنولوجيا المعلومات لخطر القرصنة وفقدان بيانات المواطنين، وذلك يعرض للخطر قدرة الحكومة على جمع البيانات والموارد اللازمة (مثل تحصيل الضرائب والرسوم) وبالتالي تقديم الخدمات. ومن الأرقام التي أوردتها الدراسة في هذا الشأن أن 51,6 في المئة من الإدارات والمؤسسات المشمولة بالاستبيان تجري فحص صيانة لاجهزة تكنولوجيا المعلومات فقط عندما تطرأ مشكلة، في حين أن 12,1 في المئة تعرضت لجرائم إلكترونية ومحاولات قرصنة، و24,2 في المئة لا يوجد فيها قسم مخصص لتكنولوجيا المعلومات".

وعن الأثر على الطاقات البشرية، ذكرت حاتم أن "الدراسة لاحظت بأن خطر الهجرة يصيب كل الادارات ويهدد بإفراغها من افضل الخبرات ومن ذاكرتها المؤسسية، معتبرة في هذا السياق أن الاستقالات وزيادة نسبة الغياب وفقدان القدرة الشرائية واستنفاد المهارات هي مؤشرات مقلقة في ما يتعلق بقدرة القطاع العام على الخروج من الازمة. واشارت إلى أن 55,8 في المئة من الجهات المستجيبة للدراسة، ذكرت ان عددا من الموظفين طلبوا اجازات غير مدفوعة منذ العام 2019، لا سيما من فئات الموظفين المسؤولين عن تقديم الخدمات الفنية والقطاعية، كالأطباء والمدرسين والمهندسين وتقنيي تكنولوجيا المعلومات، وأن 42,1 في المئة من الموظفين طلبوا اجازات لمدة تزيد عن ثلاثة اشهر".

وأوضحت أن "الدراسة خلصت إلى توصيات على المديين القصير والمتوسط في كل من هذه المجالات، إن على مستوى القدرة والعمليات، أو على الصعيد التشريعي". 
 

                               ========

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب