ندوة عن الوضع الاقتصادي تحديات وحلول في "مؤسسة مي شدياق": لا يمكن إعادة بناء الاقتصاد واستعادة الثقة من دون معالجة القطاع المصرفي

 وطنية - ‎نظمت" مؤسسة مي شديا"ق - معهد الإعلام، ضمن إطار مشروع "تجديد الهياكل السياسية والاقتصادية في لبنان" الذي تنظمه بالشراكة مع قسم الشؤون العامة في السفارة الاميركية في بيروت، ندوة حوارية بعنوان "الوضع الاقتصادي الضاغط في لبنان: تحديات وحلول"، في استديو المؤسسة، ضمت نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة السابق غسان حاصباني، الوزير السابق للاقتصاد الدكتور ناصر السعيدي، الوزير السابق للعمل كميل أبو سليمان السفير المسؤول عن تنسيق الدعم الدولي للبنان بيار دوكان ومدير مؤسسة التمويل الدولية في لبنان سعد صبرا.
 
تولى الإعلامي والخبير الإقتصادي موريس متى إدارة النقاش الذي دار حول الأزمة الإقتصادية في لبنان وتداعياتها على الأوضاع المعيشية والإجتماعية. كما تم البحث في تحديات الأزمة وفي كيفية إيجاد مخارج للتدهور الإقتصادي والمالي القائم.
 
السعيدي 
بداية، قال السعيدي: "الحقيقة أن ما يحدث في لبنان له أبعاد تاريخية وتراجع الناتج المحلي الإجمالي منذ 2018 بنحو 58 بالمئة يتجاوز أكبر أزمة عرفناها سابقا والتي كانت في تشيلي عام 1926. إذا، هذا انخفاض هائل في الناتج المحلي الإجمالي، وأصبح يطال الفقر المتعدد الأبعاد الآن 80 في المئة من السكان ونسبة البطالة تصل إلى 50 في المئة، كما أن هناك هجرة جماعية، وبالتالي هذا يؤدي إلى فقدان لرأس مالنا البشري. وانخفضت قيمة الليرة اللبنانية بأكثر من 85 في المئة هناك تضخم اقتصادي خطير حاليا".
 
أضاف: "إذا التأثير من حيث الفقر، والتأثير من حيث عدد السكان مذهل، هذا فقط لكي يفهم الناس قليلا عما نتحدث. يكسب أستاذ جامعي حوالي 156 دولارا كل شهر، الجندي يكسب 54 دولارا في الشهر والقاضي يكسب حوالي 187 دولارا في الشهر. لذا، يمكنك تخيل تأثير ذلك على حياة الناس اليومية، لكن الأخطر من ذلك هو تدمير الثروة والتضخم وانخفاض سعر الصرف وما يسميه الناس كتعبير ملطف "لولرة"، والهيركاتس تعني فعليا أن الثروة المالية وأيضا أشكال الثروة الأخرى في لبنان انخفضت بنحو 85 في المئة. وهذه هي ثروة عدة أجيال أدخلت أموالها في لبنان. الأمر المريع في هذا الوضع هو أنه من صنع الإنسان وليس نتيجة كارثة طبيعية، إنه من صنع الإنسان وهي سياسة متعمدة لتفادي الإصلاح فعليا".
 
وتابع: "نحن بحاجة إلى نهج شامل لأن المشكلة مالية، كان هناك عجز مالي كبير مما أدى إلى تراكم كبير للديون، ومتجاوزا بذلك 175 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، كان هناك عجز كبير في الحساب الجاري أي الإفراط في الإستعمال وكان هذا مسموحا من خلال تثبيت سعر الصرف، وهي سياسة طويلة الأجل يتبعها البنك المركزي مما سمح لنا بالاستهلاك أكثر بكثير من قدرتنا. وأدى هذا إلى العجز غير المستدام، وعجز الحساب الجاري والعجز المالي وانفجرت تلك المشاكل بشكل فعال في بداية عام 2020 وكان الدافع وراء هذا الانفجار هو إغلاق البنوك في أكتوبر ونوفمبر عام 2019. كان هذا غير مسبوق وخلق فقدان الثقة في النظام المصرفي وبالتالي أدى إلى تهافت على البنوك الذي بدوره أدى إلى توقف الدفعات وحظر الودائع بالليرة اللبنانية وفي ما بعدها بالدولار أيضا. والنتيجة هي بالفعل أزمة اقتصادية ومالية، لكن يجب التأكيد على أنها أيضا أزمة سياسية وأزمة حكم عميقة والآن، نحن نعيش أزمة تعليمية وصحية وبالطبع تأثرت الخدمات العامة بشدة وكذلك الكهرباء والماء فلا يحصل معظم الناس على ساعتين من الكهرباء يوميا. يجب أن يكون هناك مساءلة عما حدث وأن تمتد تلك المساءلة أيضا إلى الأحداث الأخرى التي حدثت مثل الانفجار في مرفأ بيروت الذي حتى اليوم لم تتم محاسبة أحد حوله، سواء سياسيا أو إقتصاديا".
 
وأردف: "هناك حاجة إلى التفكير في حل الأزمة الاقتصادية والمصرفية والمالية كحل جوهري. والنظام المصرفي يكمن في صميم ذلك لذا، من الآن فصاعدا، المطلوب متعدد الأبعاد: يجب هيكلة الدين العام لأن الحكومة لم تعد قادرة على تسكير الدين. لدينا ثلاث ميزانيات مترابطة ناتجة عن الأزمة هي الميزانية العمومية للحكومة، البنوك والميزانية العمومية لمصرف لبنان، وهذه الثلاثة مترابطة، ولا يمكن حل واحدة دون الأخرى. لذا يجب أيضا إعادة هيكلة مصرف لبنان بدءا من تدقيق شرعي، وأن يؤدي هذا إلى إعادة هيكلة في النظام المصرفي. لن نكون قادرين على المضي قدما في ما يتعلق بإعادة بناء الاقتصاد واستعادة الثقة إذا لم نعالج جوهر المشكلة وهو القطاع المصرفي".
 
وردا على سؤال إذا كان يعتقد أن القطاع المصرفي سينجو في لبنان، قال السعيدي: "إذا كان القطاع الخاص يريد أن يلعب دوره فسيحتاج إلى القطاع المصرفي والمالي لتمويله وسيحتاج أيضا إلى تمويل خارجي. الخطة أولا هي إعادة هيكلة النظام المصرفي، وقلنا إننا بحاجة إلى سلطة قرار مصرفي ما يعني أنه سيتعين علينا النظر في عمليات الدمج وعمليات الاستحواذ والتصفية لبعض البنوك ربما ستختفي، لكن النقطة الأساسية هي أننا بحاجة إلى إعادة الرسملة. يحتاج مساهمو البنوك إلى فهم أنهم فقدوا رؤوس أموالهم، لذلك سنحتاج إلى إدخال حوالي 20 مليارا في إعادة رسملة النظام المصرفي عن طريق المساهمين والمصرفيين أنفسهم".
 
أضاف: "ثانيا أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة هيكلة البنك المركزي، واقتراحي الجذري هو أن علينا تغيير مصرف لبنان إلى شيء مثل البنك الوطني السويسري وهو شركة تأسست عن طريق الأسهم بموجب قانون نقدي، ولكنه مملوك أيضا من قبل الجمهور ومن جزء من الحكومة، وهو منشأة مسجلة لذا، ما سنفعله بعد ذلك هو تحويلها إلى شركة مساهمة، السياسة النقدية سوف تكون موجودة ايضا وبشكل مستقل انما بعد ذلك يمكن للمودعين أن يصبحوا مساهمين في البنوك وفي البنك المركزي. لذلك، إذا كان لدينا بنك مركزي جديد، الذي يشبه إلى حد كبير البنك المركزي السويسري، فأعتقد أننا سنبدأ في التوجه نحو حل".
 
وتابع: "ثالثا يجب إنشاء صندوق للثروة الوطنية تكون الشركات المملوكة من قبل الدولة، والأراضي والمؤسسات الحكومية جزءا من صندوق الثروة الوطنية التي يتم إدارتها بشكل مستقل. سيمكننا تحسين الحكومات وإزالة السياسيين واستيلائهم على الكثير من الأصول المملوكة من قبل الدولة من اتصالات إلى المياه والكهرباء والباقي. ويجب أن يتم إدارتها بكفاءة وبشكل مستقل كما ينبغي، كما في تيماسيك في سنغافورة حيث اشترت خمسة عشر في المئة في المتوسط للحكومة. لذا، إذا وضعنا كل ذلك وبدأنا في تشغيله بكفاءة يمكن عندها أن نبدأ في جني بعض الإيرادات في المستقبل. وبعد ذلك سيصبح المودعون أيضا جزءا من الثروة الوطنية. لذلك بدلا من التعرض للخسائر الكبيرة كما يحصل الآن سيصبح المودعون مساهمين في البنوك وفي البنك المركزي وفي صندوق الثروة الوطنية. وإذا كان لدينا صندوق ثروة منظم ومحكوم بشكل صحيح، يمكننا جذب الكثير من رأس المال الخاص إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص وبعد ذلك يمكننا أن نأمل، إذا أعدنا هيكلة قطاعنا المصرفي، بالبدء في تمويل القطاع الخاص. أعتقد أن هذه هي ثلاث وحدات بناء التي إذا كنا نريد أن نحل مشاكل لبنان حقا، فعلينا أن نفكر فيها".
 
دوكان 
بدوره، قال دوكان: "أتخيل أننا جميعا نعرف التحديات والحلول، وأن الكلمات الرئيسية هي فقط الإرادة السياسية والتنفيذ. وعندما أقول الإرادة السياسية، أعني من جميع أصحاب المصلحة، لا فقط من النخبة السياسية الكلاسيكية، ولكن من الجميع، من النخبة الاقتصادية، من الباحثين، من القوى الجديدة، وكل السكان. ولا يزال هناك نوع من الإنكار في جميع الدوائر في ما يتعلق بطبيعة الأزمة".
 
أضاف: "اسمحوا لي أن آخذ طرفين متطرفين، البعض يجادلون بأن الأزمة مالية بحتة، وحتى البعض قد يقول إنها أزمة جودة بحتة، بحيث تكون على الأقل أزمة قابلة للحل وهؤلاء الناس يتخيلون بسهولة أن مرور الوقت والمرونة الكلاسيكية والمرونة القوية للشعب اللبناني سيكون كافيا. ومجموعة أخرى أي الطرف الآخر، يعتقد أنها أزمة حوكمة بحتة وأن التغيير الهائل في القيادة والحل هو محاربة الفساد بشكل دائم، ويمكنك بسهولة تسمية الأسماء تحت هذين الموقفين المتطرفين. أعتقد أن هاتين المجموعتين تتشاركان، إذا كان بإمكاني استخدام مصطلحات جون ماينارد كينز، نفس الوهم النقدي، إنهم جميعا يفكرون من الناحية الاسمية وليس من الناحية الحقيقية، ويعتقدون أن تقاسم العبء هو الحل".
 
وتابع: "الأمر مختلف بالطبع في الحالتين، في خسائر القطاع المالي، بالمعنى الواسع، سيكون حل الأزمة بالطبع لا ما هو على المحك ليس حلا اسميا للأزمة بل هو الحل الحقيقي لهذه الأزمة بشكل شامل كما قيل للتو إنه متعدد الأبعاد، ويجب أن يتم استخدامه لاستكمال إعادة تعريف النموذج اللبناني الاقتصادي والاجتماعي الذي كان قيل بشكل كاف إنه قام على رخاء زائف ولكن بسعر صرف مبالغ فيه وديون متزايدة وحتى اليوم، العديد من اللبنانيين، أكرر في جميع الدوائر، لا يعترفون بخطورة الأزمة أو يعتقدون أن التطورات الخارجية سوف تغير وجه لبنان. وفي هذا السياق، لم يتم تناوله. الآن عواقب الحرب في أوكرانيا لا تمثل طبيعة مغيرة للأزمة، ولكن مجرد تغيير في درجته وخطورته، إنه لأمر مدهش إلى حد ما رؤية أن الأزمة الأوكرانية زادت الضعف البنيوي في النموذج الاقتصادي اللبناني والاضطراب المالي وتقلب العملة والاعتماد على الواردات بشكل عام، والدور واسع النطاق لواردات الوقود لإنتاج الطاقة. ربما هناك انخفاض في مستوى هذه المخزونات خاصة بعد الانفجار في الميناء".
 
وأردف: "في هذا السياق أيضا، في ما يتعلق بالواردات غير المتنوعة من روسيا وأوكرانيا، هناك غياب للرؤية في السياسة الاقتصادية لذلك كل هذا أمام أعيننا وتم تسليط الضوء عليه، لذا فإن الأزمة الأوكرانية لم تكن حافزا ولا كاشفا عن الازمة اللبنانية. لكن آمل أن الأزمة في أوكرانيا، بما في ذلك بالطبع اللاجئون والجانب الإنساني، لن تكون منافسا في عقلية المجتمع الدولي وللأزمة اللبنانية".
 
وردا على سؤال عما يجب فعله لدفع الجهات المعنية في لبنان لإنقاذ البلد وكيفية ضمان بعض الانتعاش الاقتصادي، قال: "أعرف الكثير عما يحدث وأعلم الخلفيات وما يحدث في الكواليس مع السلطات اللبنانية. لذا، ما نحاول القيام به هو أخذ الأمور بشكل مختلف قليلا، لن أدخل في النقاش حول الخسائر المالية وما إلى ذلك لأن ذلك ليس من الضروري".
 
أضاف: "سأقترح ذلك خلال حملة انتخابية وهنا حيث لبنان مثل فرنسا، سيتحدث الجميع ليس فقط الحكومة انما أيضا الشعب، عن المواضيع المعتادة التي نتخيل أن تكون على جدول الأعمال. نعلم جميعا أن لبنان غني بالموارد المحلية مثل الماء والشمس وما إلى ذلك، وعندما يتحدث الناس عن الطاقة يتحدثون عن تنظيم القطاع وإصلاحه وتقليص دور المولدات الخاصة وما إلى ذلك، لكنهم لا يقولون شيئا، الغريب بما فيه الكفاية، زيادة حصة الطاقات المتجددة بموجب خطة وطنية. أعلم أنها مبادرات محلية، لكنها لا تشمل الرؤية الوطنية. وأنا أشير إلى ما قد أعرفه من الكواليس أنا لست لبنانيا بل فرنسي انما في نهاية الخطة ثبت مؤخرا أن هناك خمسة أهداف لا يزيد أي منها جزءا من مصادر الطاقة المتجددة وفي نهاية المدة، في عام 2030، ربما سيتم وضع مخزون بنسبة 10 في المئة من إنتاج الطاقة قيد التفكير".
 
وتابع: "دور القطاع العام ينص على أن هناك موضوعا آخر غير مستقر يجب أن يتم طرحه وهو مشكلة الحكم السيىء والفساد. أنا أعرف أن ذلك يسبب شعورا لدى اللبنانيين بأن الدولة ليست جهة جيدة، وكان نفس الشعور سائدا في أوروبا الشرقية قبل التسعينيات أو في بدايتها. بالمقابل المجتمع الدولي لا يثق بدوائر المالية العامة ويوجه الآن مساعداته الإنسانية مباشرة إلى السكان من خلال المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية. أعتقد أنه يمكن إجراء نقاش على الأقل حول مسألتين: ما يجب أن يكون دور الدولة في مختلف القطاعات، الصحة والتعليم يأتيان أولا، وأيضا النقل والطاقة والمياه، هذه بعض الاحتياجات الأساسية. لا يتم طرح ذلك في النقاش العام من قبل أي شخص، وثانيا وهذا خطر مماثل لخطر أن تكون دولة فاشلة، كيف نتجنب أن يصبح لبنان جمهورية جديدة من المنظمات غير الحكومية؟".
 
وأردف: "بالطبع، تفاقم عدم المساواة هو بسبب الأزمة في حد ذاتها ووسائل التعامل معها، وأود أن أجادل في ذلك. لولرة الحسابات المصرفية على يد واحدة وعلى العكس من ذلك، دولرة المدفوعات النقدية يعتبر من العوامل التي تزيد عدم المساواة. لذلك لم تعد مسألة السياسة النقدية بل هي جزء من عدم المساواة، لذا يجب أن يكون هناك انعكاس الآن، وأشير إلى الحماية الاجتماعية والاندماج الاجتماعي".
 
حاصباني 
من جهته، قال حاصباني: "لن أضيف الكثير إلى ما قيل بالفعل لكننا نعلم جميعا التشخيص، إلى أي مدى وصلت الأزمة وما مدى عمقها. لسوء الحظ، إذا واصلنا الطريقة التي تسير بها الأمور أعتقد أن الوضع سيكون أعمق وأكثر تعقيدا في المستقبل. لذلك، يبدو أن لا نهاية لمدى سوء الوضع يمكن أن نصل إلى نقطة حيث حقا لا يعود لدينا احتياطيات أجنبية وننعزل تماما عن باقي العالم، ومن الصعب جدا أن نكون جزءا من أي معادلة دولية".
 
أضاف: "لا توجد علامة على كيفية وضع خطة تعافي، هناك الكثير من الأحاديث والأفكار في الحكومة السابقة والحكومة الحالية موجودة وهناك برنامج لصندوق النقد الدولي الذي لا يزال بعيد المنال ولكن دون تطبيق. اليوم إنها مسألة مزيج سياسي، وإرادة سياسية، وجدية في إدارة البلد، ومعالجة قضايا الدولة التي أدت إلى الانهيار الاقتصادي. كل الفاعليات كانت تتحدث عما إذا كان ذلك عجزا ماليا او تجاريا او ركودا اقتصاديا وانهيارا، انما كل هذه الأمور مترابطة وتعود إلى الوضع السياسي الذي أدى إلى فوضى عارمة في إدارة البلد. إنها بالتأكيد مشكلة حكم وفساد وأيضا مشكلة عولمة لبنان والنظام السياسي اللبناني لم يعتد على هذا في الماضي لأن المجتمع الدولي يغض الطرف دائما ويحاول إنشاء قاسم مشترك لقبول الموقف ويستمر في المضي قدما مع الوضع الذي كان يتزايد لمدة الـ30 سنة الماضية. كان هذا حتى استيقظ المجتمع الدولي على هذا الوضع وحقيقة أنه لا يمكن أن يستمر، بدأنا ندرك جفاف القدرات والموارد، لذا فإن ما ننظر إليه الآن هو عمليا سيناريو دولة فاشلة يسيطر عليها سياسيا مجموعات معينة لديها سلطة على القرار ولعرقلة أي قرارات. إذا واصلنا تجاهل حقيقة أنه لا يوجد اليوم دولة ذات سيادة ومستقلة وتعمل بشكل صحيح أن بعض الأجزاء من المجتمع الدولي لا تزال تعتبر أن هذا هو نظير فعال، فعلى الجانب الآخر سيكون علينا أن نتعامل مع نفس المشكلة".
 
وتابع: "لبنان اليوم بحاجة إلى إنقاذ يتطلب تدخلا دوليا ويتطلب رعاية دولية، غير ذلك نسمع باستمرار أن الحل يجب أن يأتي من الداخل، وبين الحين والآخر ينسحب شخص ما من النظام تاركا الآخرين لمحاولة حل المشاكل. ولا نستطيع أن نتوقع من نفس المجموعات التي أنشأت وسببت المشاكل أن تمضي قدما وأن تحاول حل المشكلة. هي فقط تعمل على تلبية أجندات سياسية معينة علينا أن ننظر إلى ذلك بصدق وأن نذكر المشكلة بوضوح. إنه جزء من وضع إقليمي وعالمي لا يمكن قطع الاتصال به تماما، وما نحتاجه في لبنان الآن هو خطة إنقاذ سياسية ستؤدي في نهاية المطاف إلى خطة إنقاذ اقتصادي".
 
وأردف: "لا أعتقد أن هذه الحكومة ستوقع أي شيء مع صندوق النقد الدولي، لنكن واقعيين، لأنها تمثل البرلمان القائم وتمثل الأحزاب السياسية المهيمنة اليوم والتي لديها تمثيل في البرلمان الحالي. لذا، فإن أي إجراء تتخذه هذه الحكومة سينعكس على البرلمانيين الذين ذكرتهم. ومن منظور سياسي، من الناحية الواقعية، الأمر صعب للغاية ولهذا السبب لم يكن لدينا حلول جذرية مثلما نتوقع مثل برنامج صندوق النقد الدولي. لنفس الأسباب واجهتنا مشكلة في تنفيذ سيدر. ولقد أجريت هذه المحادثة مع السيد دوكان عدة مرات قبل وبعد سيدر حيث كنا نحاول جميعا وضع الإصلاحات كشرط مسبق وفعلنا كل ما في وسعنا، ولكن كان هناك العديد من العقبات السياسية في تلك الإصلاحات. لذلك، أتفهم تماما وأحترم وأتفق مع كل الحلول التي يتم وضعها على الطاولة، وأوافق على أن برنامج صندوق النقد الدولي هو نقطة الانطلاق الوحيدة للحلول لكن المخاوف التي أعرب عنها السيد دوكان، أنا أشاركه بها تماما أيضا إذا لم يكن هناك حل مع هذه الحكومة الحالية فستكون هناك حكومة تصريف أعمال قد تستمر لبعض الوقت، وبعد ذلك ستكون هناك انتخابات رئاسية. لذلك لن نشهد أي تقدم في الجانب الاقتصادي ليكون لدينا حل سياسي كامل بعد الانتخابات الرئاسية".
 
وردا على سؤال عما يجب أن يتنبه اليه المجتمع الدولي عند الحضور لمساعدة بلد مثل لبنان، قال: "يجب أن يتنبه من أكاذيب الطبقة السياسية اللبنانية. أولا أعتقد أننا مررنا بهذا مرات عديدة في الماضي والسيد دوكان رآها بنفسه عدة مرات على ما أظن. أعتقد أن من الأهمية الفهم أن هذه المحادثة التي نجريها الآن ستكون مفيدة ومؤثرة للغاية لو كانت مثلا منذ سنتين أو ثلاث، حينها كان الوقت مناسبا أكثر. الآن أعتقد أننا أصبحنا أبعد من هذا النوع من مناقشة التعافي، ونحن بحاجة للفهم أن المجتمع الدولي كان دائما موضع تضليل من قبل الناس في السلطة في لبنان. والتعافي من خلال صندوق النقد الدولي".
 
أضاف: "كل الأفكار رائعة، لدينا قوانين معمول بها وقانونا الكهرباء والاتصالات وكل الأنواع الأخرى من أفكار الإصلاح الرائعة. ومؤخرا كان لدينا قانون المشتريات العامة. هذه ألقاب وأعذار جيدة للغاية لجذب انتباه المجتمع الدولي بالتشريعات انما يمكن حتى أن يكون لدينا قانون لمراقبة رأس المال مع محتوى فارغ أو ضار، والقوانين التي يتم طرحها يمينا ويسارا دون برنامج كامل لتقديمها جميعا معا كحزمة واحدة، لأنه لا يمكن أن يكون لديك قانون مراقبة رأس المال وأن تنتظر لمدة 5 سنوات قبل أن يكون لديك أي إصلاحات في الحكومة أو أي أمل في الحصول على قرار بشأن إعادة هيكلة البنوك على سبيل المثال".
 
وتابع: "لقد وضعنا فكرة استخدام الأصول العامة منذ أكثر من ثلاث سنوات أو منذ سنتين ونصف طرحناها. تم اعتمادها جزئيا في خطة حكومة دياب لكنها كانت مموهة بأشكال مختلفة، لذلك هناك دائما عنوان جيد للتشريع ووعد جيد بالاصلاحات. هناك زيارات يتخللها طرح الكثير من الوعود على الطاولة ومع ذلك، لا يتم تحقيق شيء. في الواقع القضية الرئيسية هنا، كما قيل مسبقا، هي معظم ما سيطلبه برنامج صندوق النقد الدولي إذا تحقق بشكل افتراضي الكثير منه، باستثناء الأجزاء التي تتطلب إصلاحات في القطاع العام الذي يزيل السلطة عن الطبقة السياسية على سبيل المثال، أمر بسيط مثل هيئة تنظيمية معينة بشكل صحيح للكهرباء أو الاتصالات، واستخدام الأصول من حيث وضع برنامج الخصخصة عندما تكون قيمة هذه الأصول عند المستوى الصحيح، فلدينا أكثر من 70 قانونا غير مطبقة. نحن ننتقل بالكامل إلى الاقتصاد غير الرسمي تدريجيا، القطاع المصرفي بالكاد ينجو من الطبقة السياسية محاولا الحصول على آخر الاحتياطيات الموجودة في البنك المركزي بدون وضع حلول. لدينا نظام قضائي تستخدمه النخبة الحاكمة كأداة والذين يحاولون بشكل أساسي إخراج كل معارضة أو محاولة إصلاح من المعادلة تماما. هذا أمر مدمر تماما لما تبقى من القطاع المصرفي".
 
وختم: "نحن نواجه وضعا حيث المجتمع الدولي لا يزال يأمل أن يتم تطبيق هذه الأفكار من قبل شخص ما أو في مكان ما وأن يقوم شخص ما بعمل جيد، هذا لا يمكن أن يحدث الآن أعتقد أننا أبعد من ذلك. ما نحتاجه للبدء في التركيز عليه بسرعة كبيرة هو كيف يمكن للمجتمع الدولي تجنب هذه المنزلقات الآن، والبدء بالحديث عن المزيد من الحلول السياسية".
 
أبو سليمان 
وقال أبو سليمان: "نحن لسنا دولة فاشلة تماما لكننا نقترب سريعا من ذلك، أريد التركيز أكثر على الإيجابيات ولن أخوض في أسباب وصولنا إلى هنا حقا. أعتقد أننا نعرفهم وأن هناك بالفعل محاولة متعمدة كما قال البنك الدولي، لعدم معالجة الأسباب وفي الواقع لتعميق الأزمة. أعتقد أن هناك القليل من الأشياء المهمة لكي نعرفها: أولا، أعتقد أن ليس في لبنان فهم لأهمية الوقت، ولو بدأنا بالحل قبل عامين ونصف عام عندما بدأت الأزمة، ربما كنا الآن خارجها. استغرقت أوكرانيا أقل من عامين ونصف عام للخروج من أزمتها، واليونان حوالي ثلاث سنوات، ونحن أضعنا عامين ونصف عام. كنا في وضع أفضل بكثير في بداية الأزمة من حيث الاحتياطيات التي كانت أعلى بكثير، أهدرنا ربما 20 مليار دولار من الاحتياطيات دون أي مساءلة أو شفافية. إذا الوقت مهم بشكل لا يصدق، والسياسيون في لبنان لا يفهمون قيمة إضاعة الوقت هذا هو أول تعليق".
 
أضاف: ثانيا، من الواضح أن المساءلة أمر بالغ الأهمية وأنا شخصيا أعتقد أن أي شخص حول أي أموال بعد 19 أكتوبر كان من الواضح أنه يخضع للاستثناءات، كالطوارىء الطبية والطلاب في الخارج. لكن أي سياسي أو بنك أو مساهم حول الأموال ارتكب جريمة من وجهة نظري ويجب أن يعيدها. لذلك أعتقد أن المساءلة مهمة. نحن بحاجة لأي حل كأن يكون لدينا أشخاص يتمتعون بالمصداقية، لأن الحلول ستكون صعبة، بالطبع، ليس بنفس صعوبة الوضع الذي عشناه مع نسبة 90 في المئة من التضخم والاستهلاك، ولكن سيكون هناك تضحيات. نحن بحاجة إلى أشخاص يتمتعون بالمصداقية لمحاولة مناقشة هذه الحلول مع السكان ولكننا نخلط بين المساءلة والحل".
 
وتابع: "عندما يصل صندوق النقد الدولي إلى بلد لا يبدأون بالسؤال عن الشخص الذي كان مسؤولا عن وقوع الأزمة بل يتعاملون مع الحلول. في لبنان نحن بحاجة إلى أهداف ولا يمكننا الانتظار حتى الإنتهاء من المساءلة تماما قبل الإنتقال إلى الحل، أعتقد أننا بحاجة إلى القيام بثلاثة أمور على الفور: أولا، محاولة الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل الانتخابات في أيار، ولا أعتقد أن ذلك مستحيل انما لن يتم تنفيذه لأن الإجراءات المسبقة ستحتاج إلى البرلمان الجديد. وما نحتاجه هو اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، ليس هناك حل آخر، ولم يقترح أحد حلا قابلا للتطبيق".
 
وأردف: "ثانيا، نحن بحاجة ماسة إلى قانون مراقبة رأس المال في أسرع وقت ممكن إذ لا يمكننا الاستمرار على هذا المنوال، ولا أعتقد أن الناس تفهم الضرر الذي يحدث بغياب رقابة على رأس المال، بالإضافة إلى عدم وجود أعراف لتحويل الأموال إلى الخارج. والأهم من ذلك، نحن بحاجة لحماية أصول البنوك في الخارج لأنها أصول المودعين وأي شخص يتقاضى راتبه. يفهمون أن الحكم في الخارج يدفع من قبل المودعين الآخرين إنه مثل شخص ما يحول أموالا بعد 19 أكتوبر، ما عدا أن هذا يفعل ذلك بشكل قانوني والآخر يفعل ذلك بشكل غير قانوني. لكن النتيجة الصافية على المودعين هي نفسها أيضا، إذا كنا نخاطر بفقدان المرفقات على حساب البنك فذلك يؤثر أيضا على الأموال الجديدة والعملات النقدية الجديدة لأن البنوك لا تزال نفسها. لذا نحن بحاجة إلى قانون للتحكم في رأس المال".
 
وقال: "بالنسبة لأولئك الذين يشعرون بالقلق من أنهم منحوا في المسودة الأخيرة حصانة للمصرفيين، دعونا نضع حكما يقول إن لا شيء في هذا القانون يمنح حصانة لأي شخص عن الماضي. أعتقد أن هذه نقطة سهلة المعالجة، لكننا نحتاج لقانون السيطرة على رأس المال وإعادة هيكلة البنك بشكل مناسب كما قال الدكتور السعيدي والآخرون. لا يمكننا ترك كل مودع يقاضي بشكل مستقل ويذهب إلى المحكمة، هذا هو سبب وجود أنظمة إفلاس. في لبنان، القانونان اللذان يتعاملان مع إعادة هيكلة البنوك والإفلاس قديمان للغاية للأسف، وغير متكيفين تماما مع الوضع. نحن بحاجة إلى إطار عمل مناسب لحل مشكلة البنك وإلى عملية مناسبة، إنه فوضوي تماما وغير مقبول من منظور قانوني. أن يقوم كل شخص برقابة ائتمانية انتقائية لهذا السبب لديك قواعد الإفلاس، نحن بحاجة إلى وقف إنفاق الاحتياطي الإلزامي في البنك المركزي بما في ذلك الآن الزيادة المصطنعة في الليرة اللبنانية لا معنى لذلك وليس من المنطقي دعم العملة في حال عدم وجود خطة إصلاح. بالطبع نحن بحاجة إلى خطة إصلاح مناسبة على الحكومة مشاركتها ومناقشتها علنا مع أصحاب المصلحة، وليس هناك متسع من الوقت للقيام بكل هذا وما زلت أعتقد أنه يمكننا الوصول إلى مكان ما من الآن وحتى 15 أيار".
 
صبرا 
وقال صبرا: "لقد قيل الكثير وأنا أتفق تماما مع كل النقاط التي طرحت بشأن التشخيص والتحليل لما حدث في لبنان وأوصلنا إلى هنا، وما هي المشاكل. أعتقد أن السبب يعود إلى عدة عقود تجمعت نوعا ما حتى وصلت إلى هنا، وفي أكتوبر 2019، جرت أحداث أدت إلى إغلاق القطاع المصرفي وأود أن أكرر هذا، لأنني أتفق مع الدكتور السعيدي، أن هذا الامر كان أحد المحفزات المهمة التي أدت حقا إلى هذا الوضع المتدهور اليوم. كما أتفق مع السيد حاصباني على أنه لا يوجد أدنى الحضيض وسوف يستمر الوضع في التدهور على هذا النحو. لكنني أعتقد أنه بدلا من النظر للخلف وتحليل الوضع، لأن الجميع يعرف أن لبنان عاش عدة صدمات، ولكن الصدمة التي نعيشها اليوم متعددة الأبعاد ومعقدة للغاية، إنها تراكم للكثير من الأخطاء، أما الآن للمضي قدما أعني لأكون صادقا تماما، أتفق أيضا مع السيد أبو سليمان بأن الوضع اليوم يمكن النظر إليه من هذا النوع من العقلية".
 
وردا على سؤال عن أنواع المحفزات التي يمكن أن يستفيد منها اللبنانيون، قال: "توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي هو حافز، هذا هو الأمر الرئيسي إنها خدعة إيجابية لطيفة يمكن أن تخلق نوعا من الإشارات بأن لبنان ذاهب إلى مكان ما".
 
أضاف: "هناك الكثير من المعوقات على الجبهة السياسية انما سأركز قليلا على الاتجاه الذي ينحو إليه لبنان في ما يتعلق بحشد الدعم وتعبئة رأس المال، وربما التركيز قليلا على القطاع الخاص، فالحقيقة أن لبنان في أزمة وهناك خيط رفيع بين أن تكون في وضع أزمة ووضع تنمية. لكي يكون المجتمع الدولي قادرا على دعم لبنان والشعب اللبناني فهذا عمل شاق للغاية بالنسبة لتلك العقلية بسبب تلك الرؤية القاتمة للغاية. لذلك، كجزء من الأزمة، سيكون هناك نهج مجزأ هنا وهناك. نسمع عن تمويل الطوارىء والدعم الإنساني الذي يحدث هنا وهناك ولكنه محدود ولن يكون قادرا على تلبية المتطلبات وسترى بعض مشاريع الحماية الاجتماعية أو تمويل التثقيف الصحي".
 
وختم: "الخط الأساسي الأوسع للاقتصاد اليوم، هو أن القطاع الخاص يظل محرك هذا الاقتصاد".


                              ==============

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب